يتم التحميل...

كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة السابع من شهر محرم

2016

كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة السابع من شهر محرم

عدد الزوار: 22

كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة السابع من شهر محرم 1438هـ/ 2016م


المخدرات من اشد المنكرات: الدولة والمجتمع مطالبان بمواجهتها

المحاور الرئيسية
خلافة يزيد أخطر منكرات زمان الإمام الحسين
أعظم المنكرات في منطقتنا: الهيمنة الأميركية
المخدرات من أعظم المفاسد على المجتمع البشري

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبا القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
ما سأتحدث عنه له قسمان: قسم نظري وقسم تطبيقي.
النظري، من ناحية الفهم والفكرة والناحية الثقافية.
التطبيقي، مبني على هذا القسم النظري.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عندما نعود إلى كلمات الإمام الحسين (عليهم السلام) من الكلمات المعروفة والمشهورة والتي تتلى على آذانكم دائماً: «وإني لم أخرج أشرا ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّتي جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب عليهما السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردَّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين».
من أهم المهمات أو الوظائف أو الصفات أو العناوين لحركة الحسين (عليهم السلام) الجهادية في سنة 60-61 للهجرة هو وظيفة ومهمة وعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سنتحدث بداية في هذا الموضوع نظرياً، وسنتطرق إلى ملف علينا أن نتحمّل فيه المسؤولية جميعاً، من هذا الموقع ومن هذا الفهم.
عندما نتحدّث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نتحدث أولاً عن المعروف والمنكر.

أ ــ كل ما هو خير فهو من "المعروف"
أولاً، إن كل ما اعتبره الله معروفاً هو في الحقيقة فيه خيرٌ للناس، للإنسان، لعائلته، للناس جميعاً منذ بداية الخلق إلى قيام الساعة. هو خيرٌ لهم في دنياهم وفي آخرتهم.
من مصاديق المعروف: الصدق، أداء الأمانة، مساعدة الفقراء، إصلاح ذات البين، تعليم الجاهل، توحيد الكلمة، صلة الرحم، أداء الحقوق... وهكذا، وهذا ما نسميه من مصاديق المعروف التي أمر الله سبحانه وتعالى بالإتيان بها وأن نأمر بالإتيان بها. أي أمَرَنا بالمعروف وأمَرَنا أن نأمر بالمعروف. وإلا فإن الله سبحانه وتعالى غنيّ عن عبادتنا، وعن معروفنا، وعن أمرنا بالمعروف، وعن جهادنا، وعن صدقاتنا، وعن زكواتنا وعن كل ما يمكن أن نفعله من معروف في هذه الدنيا.

ب ــ كل ما هو شر فهو من "المنكر"
كذلك إن كل ما اعتبره الله منكراً ونهانا عنه هو ما يعود فعله بالشر والفساد والأذى على الإنسان، على أهله، وعياله، وناسه، وعلى البشر جميعاً أيضاً منذ الخلق إلى قيام الساعة. هو أذى لهم ومفسدة لهم في دنياهم وفي آخرتهم.
من مصاديق المنكر: الكذب، الغيبة، النميمة، اللعن والشتم والسب، الفتنة، قتل النفس المحترمة، الاعتداء على الأعراض، سرقة الأموال، عقوق الوالدين، أذية الجيران، قطيعة الرحم... وهكذا.
أيضاً هنا، لو ارتكبنا كناس هذه المنكرات وهذه المعاصي فإنّ سوئها وأذاها وفسادها يعود إلينا وعلينا وعلى مجتمعاتنا ولا ينال الله سبحانه وتعالى شيئاً منها. فالله غنيّ وعظيم وكبير وقدير وقدوس وسبحان لا خيرنا يصل إليه ولا شرنا يصل إليه. هذه النقطة الأولى.

ج ــ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية الفرد العامة
ثانياً، الأمر بالمعروف، وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عندما أوجبها الله سبحانه وتعالى في ديننا على كل مسلم، وهي مسؤولية ـ بكل تأكيد ـ كل متديّن بالإسلام وملتزم بالإسلام. هي تأكيد على المسؤولية العامة. يعني؛ هذا الدين من عظمته، من عظمة هذا الدين أنه يحمّل الأفراد مسؤوليّات عامّة. وليس بمعنى أن كل أحد: اللهم ربِّ نفسي، أنا بخير، أنا شبعان، أنا آمن، أنا مرتاح، أنا عزيز، أنا كريم، أنا مبسوط؛ فليأتي من بعديَ الطوفان. الدين الإلهي ليس هكذا أبداً. لذلك الإنسان يتحمّل مسؤولية عامّة؛ كما يتحمّل مسؤولية نفسه، ويتحمّل مسؤولية عائلته، يتحمّل مسؤولية الناس من حوله، ويتحمّل مسؤولية شعبه، ومنطقته، وبلده، وأحياناً مسؤولية البشرية كلها. هنا يختلف موقع الإنسان الذي يحمل المسؤولية، سواءً في الموضوع الاجتماعي، في الموضوع الثقافي، في الموضوع الأخلاقي، في الموضوع الأمني، في الموضوع السياسي، في الموضوع الاقتصادي، في أيّ شأن من الشؤون العامّة هو مسؤولية. لذلك أغلب مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي تعبّر عن علاقة مع الآخر، مع الشخص الآخر داخل العائلة، داخل المجتمع، داخل البلد، داخل الضيعة، داخل العشيرة، داخل التنظيم، أو المؤسسة، أو الإدراة... إذاً، ثانياً، هذا تأكيد على المسؤولية العامّة.

د ــ المعروف مستويات متفاوتة وكذلك المنكر
ثالثاً، إن المعروف مستويات. والمصاديق التي تحدثنا عنها ليست كلها مستوى واحد وأهمية واحدة؛ يتفاوتون من حيث الأهمية، ويتفاوتون من حيث تعلق الإرادة الإلهية، وأيضاً في نظر العقل والعقلاء.والناس ببساطة قادرون على التمييز.
كذلك حال المنكر ليست كل مصاديقه ضمن مستوى واحد، بل مستويات متفاوتة، يوجد الفاسد والأفسد. وفي المعروف يوجد المهم والأهم.
مثال: إنقاذ الغريق هو عمل جيد. إطعام الضيف هو عمل جيد. لكن أيهما أهم إنقاذ الغريق أهم أو إطعام الضيف أهم؟
إذا نظرنا إلى المفاسد، السرقة عمل فاسد ومنكر ومعصية وذنب. والقتل أيضاً عمل منكر وفاسد ومعصية وذنب. لكن أيهما أسوأ، أيهما أفسد، أيهما أخطر، القتل أم السرقة؟ واضح أن القتل هكذا.
وبالتالي حتى نحن عندما يكون علينا تحمّل المسؤولية فأمامنا لائحة تترتّب فيها كل ماهو "معروف": أهم، وأهم، فالأهم ويتدرّج. وأيضاً في المنكرات الأفسد ثم الأفسد ثم الفاسد والفساد نزولاً باللائحة. هذه النقطة الثالثة. ولذلك نجد في الشريعة السمحاء والشريعة المقدّسة أن الفقهاء يقولون لنا بناءً على الأدلة الموجودة عندهم أن الله سبحانه وتعالى في الأحكام والتشريع احتاط أعلى الاحتياط في الدماء، والمستوى الثاني في الأعراض، والمستوى الثالث بالأموال. بمعنى ما يمسّ الدماء؛ ما يرتبط بالدماء بالأنفس المحترمة، هو الأهم بكثير. وما يرتبط بالأعراض هو أهم مما يرتبط بالأموال. هذا التدرّج وهذه المستويات أيضاً موجودة في الجانب الفقهي والشرعي.

هـ ــ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان مع توفر شروطهما
رابعاً، أن وظيفة النهي بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ذكر الفقهاء في الكتب الفقهية لها شروطها، هي بالأصل واجبة، لكن لها شروط وإذا توفّرت الشروط أوجبت وإذا لم تتوفر الشروط لم تجب، لم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المكر. مثل الكثير من الواجبات هي واجبة ولكن لها شروط مثلاً في شهر رمضان لا صوم على المريض، المريض الذي يتأذّى من الصيام يسقط عنه وجوب الصوم، لا يصوم، هو يسقط عنه الأداء ويبقى عليه القضاء لكن ضمن تفاصيل معينة. أو الحج، من يستطيع أن يحج يجب عليه الحج، الاستطاعة المالية، وكذلك الاستطاعة الأمنية. بمعنى؛ اشترى الفيزا والطريق أمامه مفتوح ولا خطر عليه وما شاكل. إذاً، الحج هو واجب ولكن شرطه الاستطاعة. الصوم واجب لكن شرطه القدرة، الصحة والعافية.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان لكن لهما شروط مذكورة في الكتب الفقهيّة.

و ــ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي
خامساً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب ولكن هو أيضاً واجب كفائي. واجب كفائي، بمعنى أنه واجب علينا جميعاً فإذا قام به بعضنا سقط التكليف عن البقية أو برأت ذمّتهم. ولكن إذا لم يقم به أحد سنُسأل جمعياً ونُحاسب يوم القيامة لأننا لم نؤدي الواجب الملقى على عاتقنا.
مثلاً كما يُقال في الدفاع؛ في مسألة المقاومة. إذا هاجم العدو بلادنا يجب أن ندافع، الدفاع عن الأموال والأعراض والأنفس والسيادة والكرامة والوجود هو واجب كفائي على الجميع، لو قام به جماعة من الناس وكان هذا القيام كافياً لدفع العدو سقط التكليف عن الباقي. ولكن لو لم يكن كافياً كل الباقي سيتحمل المسؤولية يوم القيامة. هذا معنى الواجب الكفائي.

وجوب التوجه" للأولى" عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر
سادساً، وهي النقطة الأهم والتي تشكل المدخل إلى القسم الثاني. الأصل أيها الإخوة والأخوات في كل زمان وفي كل مكان وفي كل مجتمع وفي كل بيئة بمعزل عن تفاصيلها؛ الأصل أن: الأمر واجب بكل معروف، لا هذا المعروف يجب الأمر به وذاك المعروف لا يجب الأمر به. وأن النهي واجب عن كل منكر، كل منكر يجب النهي عنه.
أحياناً تتوفر الشروط، لكن القدرة والإمكانية تكون غير متاحة، أن تأمر بكل معروف وأن تنهى عن كل منكر. بإمكانك أن تأمر بالمعروف بهذا، وهذا وهذا، ولا تملك الوقت للباقي، وتستطيع أن تنهى عن المنكر في هذا، وهذا وهذا، ولا تملك الوقت للباقي. ماذا نفعل في هذه الحالة؟ بناءً عما سبق وقلناه الجواب واضح،: علينا أن نذهب إلأ المعروف الأهم وعلى المنكر الأفسد. المعروف الأهم هو ما يجب العمل عليه لأنه الأهم، والمنكر الأفسد هو ما يجب العمل عليه. لأنه أحياناً من الممكن أن نشتغل بالنهي عن منكرات صغيرة ومحدودة التأثير في بيئتنا ومجتمعاتنا وننشغل عن ما هو أفسد وما هو أخطر وما يمسّ وجودنا وأمننا وحياتنا وحياة الناس. لذلك الجواب الشرعي واضح: مع عدم وجود الإمكانية للعمل على كل المعروف، عندها يبدأ بالأهم فالأهم. عدم إمكانية النهي عن كل المنكر فيبدأ بالعمل على الأفسد فالأفسد. لا يشتغل بالفاسد ويترك الأفسد.
مثال آخر للتوضيح: سبق أن ضربنا مثل عن إنقاذ الغريق وإكرام الضيف. فلان يغرق في البركة أو في البحر، لماذا لم تذهب لإنقاذه؟ كان لديّ ضيف وأنت تعلم يجب إكرام الضيف، بمعزل عن الوجوب أو الإستحباب. لكن حتى لو بنينا عالوجوب، هذا مأثوم وهذا عمل حرام وإن كان مشغولاً بإكرام الضيف، لماذا؟ لأنه ترك ما هو أهم وما هو أوجب وهو إنقاذ الغريق. هو لا يؤجر حتى على الواجب الذي كان يقوم به أو المستحب الذي كان يقوم به.
أيضاً في موضوع الأفسد والفاسد، الكثير من الأمثلة. مثال: اثنين مختلفان مع بعضهما ــ نقول هنا، إصلاح ذات البين؛ وهو عمل عظيم وكبير ومهم ــ يذهب أحد ما للصلح ومحاولة منعهما بكيل السباب والشتائم فيحدث التلاسن ويُطلِق النار على أحدهما. ويُسأل عن طريقة حلّه للمشكلة ليقول بأنه أطلق النار على أحد هذين الشخصين وانتهت المشكلة. هذا دفع الفاسد بما هو أفسد بكثير.
إذاً، علينا دائماً مراعاة الأهمية، الأهم والمهم. والأفسد والفاسد.
أحياناً، قد يرتكب الإنسان عملاً منهيّاً عنه، أي عملا منكرا، من أجل معروف أهم بكثير من ترك هذا المنكر. كما في مثل إنقاذ الغريق. مثلاً: أرض مملوكة لفلان من الناس، ولا يجوز أن تعبر هذه الأرض إلا بإذنه؛ لا يجوز التصرف بأموال الآخرين إلا بإذنهم. فيأتي أحد ما ويقول أنه استشكل شرعاً أنّ هذه الأرض ملك لفلان فكيف عليه تحصيل فلان ليستأذن منه؛ فيقف مكانه والغريق يغرق أمامه. هنا دينك يقول لك ادخل الأرض بدون إذن صاحبها لأن ما يتوقف على ارتكابك لهذا المنكر (في الظاهر) هو عمل أهم بكثير، وهو إنقاذ نفس بشرية.
إذاً، هذه القواعد النظرية والفقهية هي التي عادة تحكم. هذا الموضوع أحببت طرحه في القسم الأول لعدم وضوحه. مثلاً؛ بعض الناس يتصورون أن واجبنا الشرعي، مواجهة كل المنكرات في مجتمعنا الصغيرة والكبيرة والشخصية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية؛ مواجهتها دفعة واحدة. لو كنا قادرين نعم، صحيح. ولكن هناك شرط القدرة ومع عدم القدرة فيجب ترتيب الأهم والمهم.
وهذا ما نعبّر عنه في الأدبيات المعاصرة: ترتيب الأولويات. عدم الانشغال بما هو مهم وترك ما هو أهم. عدم محاربة ما هو فاسد وترك ما هو أفسد يتحكم ببلدنا ومجتمعنا ومنطقتنا، لماذا؟ لأنه ليس لدينا الوقت الكافي لمواجهة الأفسد لأننا مشغولون بالفاسد هنا وهناك.

الإمام الحسين تصدى لأخطر منكرات زمانه: خلافة يزيد على الأمة
وفي الحقيقة عندما نأتي للتطبيق نجده عند الحسين (عليهم السلام) أيضاً؛ في النص الذي قرأته في البداية. الحسين (عليهم السلام) سنة 60-61 للهجرة، سنة 60 للهجرة عندما خرج من المدينة – حتى في كتب التاريخ هذا موجود- كان الفساد الأخلاقي قد وصل المدينة المنورة، وأيضاً إلى مكة. طبعاً نتيجة مخططات وإدارة، وترهّل وأمور متعمّدة وأخرى غير متعمّدة، لن أدخل في تفاصيلها. حتى الوالي الموجود في المدينة هو والي فاسد.
الحسين (عليهم السلام) ذهب إلى ما هو أهم. عندما نرتّب الأهميات. ذهب ليواجه ما هو أفسد، وما هو أخطر، وما هو أكبر. والتهديد الأقوى في زمانه، يزيد؛ بما يملك من مواصفات وأهداف ومشروع. ولذلك الحسين (عليهم السلام) وجد في سلطان يزيد، في مشروع يزيد، في أهداف يزيد، في تمكين يزيد من قيادة الأمّة، ما هو الأفسد على الإطلاق في سنة 60 للهجرة. فذهب ليواجه هذا الأفسد، وليحارب هذا المنكر، ولينهى عن هذا المنكر. وكانت البداية هو رفض البيعة. اعتبر الحسين (عليهم السلام) أن البيعة ليزيد من أشد المنكرات في ذلك الزمان. ولذلك رفض أن يرتكبها، ونهى عنها ودعا الناس إلى أن لا يبايعوا. هذا كان الخطر العظيم على الإسلام وعلى الأمّة.
وإذا لاحظتم الجدالات والنقاشات التي عادة تروى لنا، بأن الحسين (عليهم السلام) عندما طُلبت منه البيعة قال ليزيد كذا وكذا وكذا إلى أن قال "وعلى الإسلام السلام إذا بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد". ليس السلام على الصلاة، ولا على الصوم السلام، ولا على الحج السلام، لا على هذا المعروف وذاك المعروف السلام. لا على نهي المنكر السلام. بل على الإسلام السلام؛ الذي يجمع كل هذا القيم وكل هذا المعاني وكل هذه المفاهيم وكل هذه الأحكام.
إذاً، ذهب إلى ما هو أخطر وما هو أفسد وما هو أقوى.

ألإحتلال؛ أخطر منكر تصدى له المتدينون في بلدهم العام 1982
عندما نأتي لواقعنا المعاصر: مثلاً؛ في تجربة المقاومة في لبنان عام 1982م عندما اجتاحت إسرائيل واحتلت تقريباً نصف لبنان وكان من الممكن أن تأخذ النصف الآخر وكانت لها أهدافها ـ والتي نتحدث عنها دائماً- في ما يعني المقاومة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، ولبنان ومستقبله، والنظام السياسي في لبنان، والقرار السياسي في لبنان، واتفاقيات الصلح مع لبنان، والسيطرة على لبنان... إلى آخره. – مثال، لنتحدث عن المؤمنين والمتديّنين: أنتم يا شباب ليس لكم عمل في هذه القصة أنتم عملكم إذا وجدتم من يلعب القمار أن تنهوه عن المنكر، من يسب ويشتم أن تنهوه عن المنكر، من يتعاطى الحشيش أن تنهوه عن المنكر، تصلحون بين المتخاصمين، تدعون فلان ليصلي بالمسجد، هذه مسؤوليتكم. لكن في ذاك الوقت كان التشخيص أن أخطر منكر وأقوى منكر هو الاحتلال. إن سيطرة إسرائيل على أرضنا، وعلى بلادنا، وعلى خيراتنا، وتحكمها بدمائنا لتقتل، وبأموالنا لتنهب، وبكراماتنا لتهتك، وبرجالنا ونسائنا لتزجّ بهم في السجون وإذلالهم، وتسيطر على قرارنا وسيادتنا؛ هذا هو الأفسد هذا هو المنكر الأشد الذي يجب أن تتجه إليه أولوية النهي، وأولوية المواجهة، وأولوية التصدي. لذلك وعندما كنا دائماً نتكلم عن أولوية المقاومة، تعلمون أنه يوجد في البلد الكثير من المفاسد، والكثير من المشاكل، وإذا أردت مواجهة المشاكل والمفاسد يجب أن تدخل في معركة مع الأغلبية الساحقة. وأنت تُطالَب بهذه، وهذه، وهذه. فعلينا ترتيب أولوياتنا ونحن ذهبنا إلى هذه الأولويات.

أعظم المنكرات في منطقتنا:سيطرة أميركا على قرارنا السياسي ونهب ثرواتنا
من أعظم المنكرات في منطقتنا هو أن تسيطر أميركا مثلاً، كما سيطرت بالفعل لعشرات السنين، على بلادنا وعلى قرارنا السياسي، وعلى أنظمتنا السياسية، وعلى نفطنا، وعلى خيراتنا، وتحوّل أسواقنا إلى أسواق للسلاح. فقط بسبب اليمن وأحداث المنطقة؛ انظروا كمية السلاح التي اشترتها السعودية من أميركا، كمية المصانع الأميركية العاملة من خلال السعودية، مئات مليارات من الدورات خلال سنوات قليلة. فقط خلال هذه السنوات القليلة. وتحوّل أسواقنا إلى أسواق استهلاكية لسلاحها، وبضائعها، وتسيطر أمنياً على بلادنا لتملأ فيها الفتن والحروب من خلال الاختراقات والمحاور. هذا من أعظم المنكرات الذي يجب أن يواجَه.

قبل أن نذهب إلى بعض المنكرات الجزئية والتفصيليّة. الإمام موسى الصدر –أعاده الله بخير ورفيقيه- في تلك الأيام كان يقول: إسرائيل شرّ مطلق. اليوم إذا أردنا التفتيش عن المنكر المطلق، والشر المطلق، هو إسرائيل.
الإمام الخميني (رضوان الله عليه) كان يقول إسرائيل غدّة سرطانية. إسرائيل أمّ الفساد. إذا أراد أحد ما محاربة الفاسد فأمّ الفساد هي إسرائيل. فمن يحارب فساداً هنا أو هناك ويتخلى عن مواجهة إسرائيل هو يحارب الأطفال الصغار ويترك أمهم، لأنها هي أمّ الفساد.
أميركا اليوم، سبق وتحدثنا عن الأبالسة والشياطين، نعم هي الشيطان الأكبر. تصوّروا مثلاً أن أمريكا هذه، هي تقول أنها تحارب الإرهاب، وحتى الإرهاب الذي ضربها في أيلول، وقتل منها الآلاف، لكن هي ترعى هذا الإرهاب، هذا الفصيل وتستخدمه في قتل الناس، وفي تدمير الجيوش، وفي تدمير المجتمعات، وتحميه بشكل أو بآخر، وتقدم له عناصر القوة.

لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية تحريف "للفريضة"
إذاً، اليوم علينا أن نفتش على مصاديق المنكر، على مصاديق الفساد العظيم الموجود في هذه الأرض وعلينا أن نواجهه ونحاربه، في القمة وفي الرأس تأتي السياسات الأميركية، ويأتي المشروع الصهيوني، والعدو الإسرائيلي. وإلا في بعض البلدان، كما سبق وتحدّثنا، السعودية مثلاً، لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذا قادت سيدة سيارة يعتبرونها منكر ويحبسونها ويجلدونها ويضربونها وتقوم الدنيا عليها. إذا فلان، في أول وقت الصلاة، لم يغلق دكان، ولو أن الصلاة في أول الوقت مستحبة وليست واجبة، يقاصصونه. ولكن المال، النفط، القرار السياسي، المشروع في المنطقة في بخدمة الأميركان. كل ما يريد الشيطان الأكبر يفعلونه له. كل ما تريد أمّ الفساد يفعلونه لها. أهذا ما يسمى الأمر بالمعروف والنهي بالمنكر؟ بل هذا يسمى تضليل، تزوير وتحريف لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النتيجة التي أردت أن أصل إليها حتى أدخل إلى القسم الثاني هو، نعم، نحن معنيين بترتيب الأولويات.

مشكلات داخلية لا تقل خطرا عن إسرائيل والتكفيريين
الملف الذي أريد التحدث عنه برأيي هو يدخل في هذه الأولويات.
نحن والمقاومون؛ بقية المقاومين، كي لا نقول نحن فقط، قاتلنا من الـ1982م لتحرير أرضنا من الاحتلال ومن هذا الفساد ومن هذا المنكر وما زلنا نرابط في قرانا الأمامية وعلى مقربة من الحدود - كي لا يُقال تواجد عسكري على الحدود – إلى جانب الجيش اللبناني والقوى الأمنية والرسمية في مواجهة أي عدوان أو تهديد أو اختراق إسرائيلي، من أجل أي شيء؟ من أجل أن نحمي أهلنا، وشعبنا، وناسنا، وبلدنا، وكرامتنا. وفي هذا السياق قدّمنا آلاف الشهداء وآلاف الجرحى – والجرحى أمامكم من أداء هذا الواجب-. من جهة أخرى، على الحدود الشرقية في البقاع أيضاً قاتلنا وقدّمنا الجرحى وقدّمنا الشهداء لنبعد الخطر التكفيري الإرهابي عن بلدنا وأهلنا وناسنا وقرانا وبلداتنا،.جيد، وهذان واجبان، بل من أعلى مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن لنأتي للداخل، يوجد أشياء نستطيع فعلها في الداخل ـ ليس كل شيء ـ لكن بعض الأشياء نستطيع القيام بها.
في الوقت الذي تُحمى فيه الحدود الجنوبية والحدود الشرقية من أيّ إرهاب أو عدوان؛ وأيضاً في الداخل هناك على مدار الساعة عمل أمني دؤوب رسمي وشعبي لمواجهة أي عمل إرهابي ممكن لكن هناك أمور تحصل في الداخل لا تقلّ خطراً وهي مدمرة أيضاً لمجتمعنا. هنا لا أتكلم عن بيئة خاصة بل عن الشعب اللبناني ككل وعن كل المقيمين على الأرض اللبنانية، سواء كانوا لبنانيين أو لاجئين فلسطينيين أو مهجرين سوريين أو أجانب مقيمين على أرضنا؛ مجموع الناس، مجموع وُلد آدم الموجودون على الأرض اللبنانية، هم يواجهون أخطار لا تقلّ أهمية عن الحدود الجنوبية والحدود الشرقية.

المخدرات من أعظم المفاسد على المجتمع البشري
اليوم سأتحدث عن أحد الملفات والذي هو ملف المخدرات.
اللبنانيون مشغولون بالسياسة، والإضراب، والميكانيك، والزبالة، لكن يوجد شيء خطر وموجود وكلنا نعلم به لم يسلّط الضوء عليه كثيراً ومنتشر في البلد ومن المحتمل أن نستيقظ جراءه على كارثة عظيمة جدّاً، هو موضوع المخدرات.
موضوع المخدرات أقصد به:
1- تجارة وترويج المخدرات.
2- تعاطي المخدرات.
في البداية، لا يوجد نقاش لا شرعي ولا ديني ولا عقلي ولا عقلائي في خطورة هذا الملف. لا أحد في الكرة الأرضية يناقش. هذا ليس موضوع حلال وحرام فقط، إسلام، ومسيحية، ويهودية، وبوذية، وهندوسية، ومؤمن وملحد. اليوم نجد إجماع بشري، إجماع العقلاء في الكرة الأرضية كلهم يقولون بأن هذا ملف خطير ومدمّر ويجب أن يواجَه. ولذلك في كل الدول توجد القوانين للمنع وللتحريم وللتجريم وللعقاب وللغرامات وللسجن وللقضاء حتى أجهزة أمنية ضخمة مشكّلة في العالم مختصّة فقط بمحاربة تجارة المخدرات وزراعتها، وترويجها، وصناعتها وما شاكل.
إذاً، نحن لسنا بحاجة لإقناع بعضنا البعض بأنها حلال أو حرام، والعقل ماذا يقول والعقلاء ماذا يقولون. إجماع الأديان والعقول والعقلاء والبشرية على أن هذا أمر خطير وفاسد ومفسد بل من أعظم المفاسد التي يواجهها أي مجتمع بشري.

أ ــ إحصائيات مذهلة في عدد المدمنين
اليوم، في بلدنا المطلوب إلقاء الضوء على هذا الأمر. لدي بعض الإحصاءات والأرقام المذهلة. إذا أخذنا هذا المجتمع اللبناني الصغير، عدد المقيمين السكان في لبنان، عندما نرى عدد المدمنين بحسب اعترافات وزارة الصحة ـ هذا ما هو واضح عند وزارة الصحة ـ عدد المدمنين على المخدرات رقم مرعب وكذلك إذا نظرنا للذين يتعاطون ولم يصلوا بعد لمرحلة الإدمان. رغم أنني أعترف وأشكر مؤسسات الدولة المعنية وأجهزة الدولة المعنية على كل الجهد الذي تقوم به في هذا الموضوع: مصادرة تهريب المخدرات، اعتقال بعض تجار المخدرات، اعتقال بعض المدمنين. كل هذا موجود، ولكن للأسف عندما تنظر إلى الأرقام، لا يوجد تحسن في وضع البلد بل وضعه من سيء إلى أسوأ والأرقام تتصاعد، وخصوصاً في جيل الشباب بين 18 لغاية 30 والذي سيتابع سيجد الشريحة الأعلى هي شريحة الشباب.

ب ــ إستهداف شبابنا بالمخدرات من قبل الأعداء أمر لا يجوز استبعاده
طبعاً لاحقاً، ممكن أن أقول أنه في بعض الأحيان من الممكن أن تكون الأمور طبيعيّة جدّاً: يوجد تجار مخدرات وطماعين ويريدون المال وهي تجارة من التجارات المعتمدة لديهم. بل قد يكون هناك جهات تخطط لهذا، أو أجهزة أمنية ومخابراتية وأعداء يخططون لهذا. مثلاً، اليوم في المخيمات الفلسطينية، إذا أردت تدمير المخيم، تدمّر شباب المخيم ـ وهو جزء من تدمير القضية الفلسطينية- ماذا تفعل؟ لماذا لا أفترض بأن هذا الترويج للمخدرات بالمخيمات لا يقف وراءه الموساد؟. كذلك في بيئتنا ومجتمعنا وناسنا، هناك من يريد تدمير مجتمعنا، فيعتبرها وسيلة طبيعية، لا فيها قصف طيران، ولا تأخذك على رد فعل، ولا تفتح جبهة، ولا قصف مدن... بطريقة سلسة يدخل ليدمّر كل خطوطك الخلفية، كل بيئتك، وكل مجتمعك، كل الشباب والشابات الذين هم عماد الوطن، وعماد الجيش، وعماد المقاومة، وعماد المؤسسات، وعماد الأمن والاقتصاد... إلى آخره.
اليوم نجد بأن الشريحة الأكبر المستهدفة أو المتورطة ـ على الاحتمالين ـ هي شريحة الشباب. وعندما تدخل إلى شريحة الشباب، للأسف الشديد، يظهر بأن شريحة الطلاب هي من النسب الأعلى، طلاب الجامعات، طلاب الثانويات، للأسف الشديد؛ الحال وصل إلى طلاب المدارس المتوسطة.
إذاً، الحبوب والحشيش، وبأشكال مختلفة وألوان مختلفة، تُقدّم وأحياناً تُباع بأسعار زهيدة. هذا مما يؤكّد احتمال المؤامرة والتواطؤ. هذا خطر اليوم موجود، خطر على الشخص وعلى عائلته، وخطر على المجتمع.

ج ــ تجارة المخدرات ليست من الحريات الشخصية
هنا لا نتكلم عن موضوع شخصي. بمعنى، أن كل فرد له حريته بتعاطيه المخدرات. مَن قال بأن له الحرية بتعاطي المخدرات؟ لا الدين ولا العقل ولا العقلاء يقولون هكذا، ولا حتى المصلحة العامة. فلان له الحرية بتجارة المخدرات؛ لا، ليست الحرية أن يتاجر بالمخدرات. أولاً، هذا الشخص يخسر نفسه، يدمّر نفسه، وعقله، وقلبه، وعواطفه، وأحاسيسه، ومشاعره. تعلمون ماذا يعني أن يكون الشخص مدمنا؛ أين يصبحز ولا داعي للشرح لأنها من الأمور الواضحة والبيّنة للناس. أيضاً تأثيره على عائلته، الكثير من حالات الطلاق سببها المخدرات، انهيار الكثير من العائلات وضياع الأولاد في الشوارع، عائلات تُدمّر بسبب المخدرات. في المجتمع، يصبحون لصوص، ومجرمين، وعملاء، يعني هي باب لكثير من أبواب الفساد، باب للفساد يؤدي إلى السرقة، والقتل، والإجرام، والعمالة، والزنى، والدعارة، وبيع البشر... يؤدي إلى كل شيء.
الفضائح التي ظهرت من فترة حول بيع الفتيات، هي ليست معزولة عن كل حركة المخدرات الموجودة في البلد.

المخدرات من اشد المنكرات: الدولة والمجتمع مطالبان بمواجهتها

إذاً، نحن أمام ملف خطر، علينا جميعاً أن نرفع الصوت، ليس فقط في موضوع الزبالة والضرائب، والقضايا السياسية الكبرى كالملف الرئاسي والتعطيل الحكومي، والمجلس النيابي، لكن هذا من أخطر الموضوعات وهو موجود في مناطقنا جميعاً، في كل المناطق اللبنانية، بلا استثناء. ويمكن أن تتفاوت بنسب بسيطة، حتى بالبلدات والقرى المحافظة دخلت إليها المخدرات، في الأحياء وعند كل الطوائف. ألا يجب أن نواجه؟
هذا من المنكرات الشديدة التي يجب أن تواجه وإيجاد القدرة على مواجهتها ولا يتنافى مواجهتها مع المسؤوليات الأخرى والتي سبق أن أشرنا إليها. بل هي مدعّمة للمواجهات الأخرى. لأننا إذا بقينا فقط على الحدود لكي نحمي الحدود وندع مجتمعنا يُفتك به ويُدمّر إذاً نحن عن من ندافع؟ بلدنا تُدمّر من الداخل. لا أريد أن أبالغ، لا توجد مبالغة. في بعض الدول في العالم، التاجر أو البائع أو المروّج الذي يقوم بتهريب غرامات – ليس كيلو أو 2 كيلو – يُحكم بالإعدام.
بعيداً عن الكلام الفقهي والشرعي: أيهما الأصعب علينا، أن يأتي من يضع لنا عبوة ويقتل 3 أو 4 شباب أو يأتي من يدخل الثانوية ليحوّل شبابنا إلى مدمني مخدرات. برأيي الشخصي الأول أهون، مفهوم أن هذا العدو حاول أن يتسلل من بين الحواجز والسواتر ليصل إلى الشباب ويزرع العبوة. هؤلاء الشباب استشهدوا هنيئاً لهم الشهادة. نتألم، نحزن، خسرنا، صحيح. لكن هؤلاء الشباب الذين أصبحوا يتعاطون المخدرات، خسروا الدنيا وخسروا الآخرة. شخصياً أعتبر أن نُقتل أهون من طريقة التدمير هذه.

إذاً، ما هي المسؤولية؟ عندما نتحدث عن النهي عن المنكر بالموضوع الشرعي، يوجد بالقلب، وباللسان، وباليد. اليد مسؤولية الحكومة، حتى بالفقه هناك مسؤولية الحاكم الشرعي. والآن نحن نقول مسؤولية الدولة؛ مسؤولية الجهة التي تدير البلد بمعزل عن الدخول في تفاصيل حقوقية وقانونية. لا أطلب من أحد النهي عن المنكر باليد في هذا الملف بالنسبة للناس. الدولة معنية أن تنهى عن هذا المنكر باليد: تعتقل وتداهم وتسجن وتقاضي وتحاكم وتعمل الغرامات؛ هذه مسؤولية الدولة. لكن بالنسبة للناس، لديهم مسؤولية أيضاً. غير صحيح أن نحمّل المسؤولية فقط للدولة، بل نحن أيضاً معنيون والكل معنيّ. ونحن الذين نقول بأن أولوياتنا دائماً هي المقاومة، نحن المقاومة معنيون، بالحد الأدنى بالقلب واللسان. وهذا واجب شرعي. وأنا لا أتحدث لا بالمستحبات ولا بالنصائح. التخلّف عن هذا الواجب الشرعي هو التخلّف عن القيام بالوظيفة الشرعية والتكليف الشرعي وسنُسأل يوم القيامة.

أ ــ مسؤلية الدولة: لخطة شاملة لا تقتصر على العمل الأمني
بداية، علينا جميعاً أن نرفع أصواتنا لمطالبة الدولة بأن تكمل مسؤوليتها، وتتحمل كامل مسؤوليتها. هذا ليس فقط موضوع أمني، بل يحتاج إلى خطة متكاملة، تبدأ من الزراعات البديلة ـ وأنا لا أقول على الإطلاق أنه عدم وجود زراعات بديلة يشكل مبرر شرعي أو قانوني أو أخلاقي لمن يزرع المخدرات أبداً ـ من الزراعات البديلة إلى المدارس إلى التوجيه إلى التثقيف إلى الإعلام إلى القضاء إلى العمل الأمني؛ خطة شاملة ومحكمة ومدروسة وهي مسؤولية الدولة. وهي ليست من الامور التي تحتمل التأجيل أو الصبر أو التسويف. هذا أولاً.

ب ــ مسؤولية الناس
نحن الناس، ما هي مسؤوليتنا؟ هناك مسؤولية تجاه شبابنا وناسنا وأولادنا الذين يتورطون بالتعاطي مع المخدرات، ومسؤولية أخرى تجاه تجار المخدرات ومروّجي المخدرات.

1 ــ الإنكار بالقلب
المسؤولية الأولى، أن ننكر بالقلب. أيها الناس: أن نعتبر في داخل قلبنا، وثقافتنا، وفهمنا أن تجارة المخدرات وترويج المخدرات وزراعة المخدرات هو أمر منكر، وفساد، ومما يغضب الله عزّ وجلّ، ومما يرفضه الدين والعقل والشرع والعقلاء، هذا الإنكار بالقلب. ومن المحتمل بعد وقت قليل تصبح هذه الأمور طبيعية: تاجر ألبسة، تاجر سيارات، تاجر قمح مواد غذائية، تاجر مخدرات. فأولاً الإنكار بالقلب.

2 ــ الإنكار باللسان
ثانياً، الإنكار باللسان. في هذا الملف نحن نريد أكل العنب ولا نريد قتل الناطور، ولا نريد المشاكل مع أحد. نحن فقط نريد أن يأتي الناس والعلماء والمشايخ والأحزاب السياسية والأساتذة؛ الناس جميعاً، نريد أن نأتي لتاجر المخدرات، ابن عائلتنا، ابن ضيعتنا، ابن حيّنا، جارنا، وطبعاً كارثة إذا كان ابن تنظيمنا. ونقول له: أنت تقتلنا وتدمّرنا، وأنت تحرقنا، ما تقوم به أخطر من عمل الإسرائيلي والتكفيري. خف الله فينا وخف الله بشبابنا، خف الله بناسنا ونساءنا وأعراضنا وبناتنا. هذا ما نحكيه باللسان. أقمنا بكل ذلك في لبنان؟ لا أعلم نسبة العمل بهذا الموضوع. هل يتم العمل بهم؟ كلا لا يتم العمل بهم لا في الضيع ولا المدن ولا القرى ولا عند الجيران. الحد الأدنى إذا لم تكن قادراً على الكلام أرسل من لا يخاف على نفسه ليتكلم. أرسل من هو "مدعوم" للتكلم.
وأنا شخصياً، وعبر الشاشة ـ وهذا واجبي الشرعي ـ أخاطب كل تاجر مخدرات في لبنان، وكل مروّج مخدرات في لبنان، وأتحدث إليه أولاً بالمنطق الإنساني والأخلاقي والديني والوطني وأقول لكم: يا جماعة كفاكم قتلاً، يكفي. كفاكم حرقاً، كفاكم تدميراً لشبابنا، وناسنا، وضيعنا، ومدننا، ومناطقنا، وأمننا، واقتصادنا، وأخلاقنا وعائلاتنا. اتقوا الله، خافوا الله. إذا لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً. كونوا أهل قيم، كونوا أهل أخلاق. ليكن لديكم مستوى إنساني، وحسّ إنساني، وأنتم ترون كيف أن مخدراتكم تحرق البيوت وتحرق الشباب وتحرق الأنفس.
إذاً، عندما نتكلم باللسان، فعلينا أن نشرح هذا الموضوع ونبيّنه ونوضحه وليسمعوا صوتنا، فليسمعوا بأننا جميعاً نستنكر. والأهم من الكلام، ومع الكلام، وهذا أيضاً من الواجبات. الآن ما سأتحدث به حلال وحرام. الأهم أننا تكلمنا فإذا لم يسمعوا ـ البعض يسمع ويستغفر ويتوب ـ نحن نقول لكم: نحن نريد أكل العنب وهذه الآفة في مجتمعنا علينا أن نواجهها. إذا تجاوب البعض من الناس فهذا جيد، ومن الممكن العمل على الحلول والمخارج. التسويات تؤخذ بالحسبان؛ المهم أن تتوقف هذه الناس (تجار المخدرات). البعض الآخر لا يريد التوقف: تجارة مربحة، لكنها مربحة ظاهرياً. هي في الدنيا كارثة وفي الآخرة كارثة أعظم عليه وعلى من معه.

3 ــ المقاطعة الإجتماعية
شيء آخر بإمكانكم عمله والناس قادرة على عمله أيضاً، وهو المقاطعة. المقاطعة الاجتماعية، وأنا أطالبكم بهذا. فلان تاجر مخدرات يأتي إلينا ونضحك في وجهه، بل علينا ألا نستقبله وألا نسمح له بالدخول إلى بيتنا. هذا بيتي ومكتبي ومركزي، عندما يأتي تاجر المخدرات أقول له: عذرا؛ أنت لا يجوز لك الدخول إلى مركزي. لا أسمح لك بدخول بيتي. لا نبتسم في وجوههم. لا نجلس معهم. لا نجلس معهم على طاولة واحدة. لا نذهب إلى مناسباتهم. أكثر من هذا كله، لا نشارك حتى في عزائهم. لا في أحزانهم ولا في أفراحهم. وإذا كان أحد من إخواننا يفعل هكذا –يتعاطى المخدرات- فهذا عيب أكثر. فلنقاطعهم اجتماعياً. لنرى ماذا سيفعلون وأين سيصلون. هذا ليس بحاجة إلى إطلاق الرصاص، ولا يؤدي إلى الفتنة، ولا يؤدي إلى حرب بين عشيرتين، وغير مكلف وهو غير محتاج إلى الدولة. فأنا لي الحرية؛ وحتى بالقانون أن لم أدخل فلان منزلي فالقانون لا يمنعني.
أما ما وصل إليه الحال اليوم في البلد، أن تجار المخدرات شريحة اجتماعية، محترمة، وأصبحوا في بعض المناطق وجهاء، ويدفعون المال، ويقدمون المساعدات، ويتم التحدث معهم للتدخل في حالة الصلح. ما هي هذه الكارثة؟ وإلى أين ستوصلنا؟ هذا أمر خطير جداً.
في لحظة من اللحظات، قد يأتي أحدهم ليقول بأنه: علينا أن ننفتح على كل الشرائح الاجتماعية لأن أولويتنا هي المقاومة. أقول: هذه الشريحة عدوّة للمقاومة. وعدوّة لمجتمع المقاومة. وعدوّة لثقافة المقاومة وقيم المقاومة. هذه الشريحة خائنة لدماء الشهداء، وللجرحى الموجودين أمامكم، وخائنة لقيمنا وأخلاقنا، ومدمّرة لنا ولبيئتنا ومجتمعنا. من قال بأن المطلوب أن ننفتح عليهم؟ بل المطلوب مقاطعتهم بالحد الأدنى وتعزلهم اجتماعياً.
عندما يُعزل هؤلاء، كلّ بعائلته وبعشيرته وبضيعته وبمدينته؛ حتماً سيعيد النظر فهو لا يستطيع العيش وحده.
لتوضيح الفكرة أكثر؛ موضوع العملاء. في يوم من الأيام كانت العمالة في لبنان وجهة نظر. كانت خيار سياسي، لكن مع الوقت، القانون والقضاء والثقافة والإعلام والمقاومة والعمل السياسي... إلى آخره، وصل إلى نقطة أن العمالة لم تعد وجهة نظر بل أصبح القانون يعاقب عليها، والعميل منبوذ في مجتمعنا وعائلته تشعر بالخجل. الآن، عائلات تجار المخدرات لا يشعرون بالخجل لأن مجتمعهم لا يجعلهم يشعرون هذا الإحساس. أصبح العميل منبوذ بمجتمعنا. في فترة من الأوقات بدأت تنكشف مجموعات من العملاء وشبكات أمنية. قبل سنوات، في أحد الأمكنة في الضاحية أتت إحدى الأجهزة الأمنية داهمت واعتقلت الشخص أثناء خروجه –وفي ذلك الوقت كان اعتقال العملاء بشكل كثيف- فصاح يقول: "مش عميل، مش عمي؛ تاجر مخدرات". ذلك أنه لا مشكلة في تجارة المخدرات.
هذا بموضوع تجار ومروّجي المخدرات.

هذا الملف يجب أن نتعاون جميعاً لإقفاله. هذا باب الفساد الخطر الذي يؤدي إلى الجريمة والقتل والسرقة والفتنة وسفك الدماء وهتك الأعراض وخراب البيوت. توقفوا؛ وإلا على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها. ونحن ـ الناس ـ بالحد الأدنى؛ فلننكر بقلوبنا ولننهي بألسنتنا ونقاطع اجتماعياً.

مسؤولية أسرة المدمن: مراقبتة والمبادرة لمعالجته
أما اتجاه الأفراد، فالمسؤولية عند العائلات ـ الأب والأم ـ عليكما الانتباه لأولادكم. اليوم هذا المرض موجود في كل المدارس، في أغلب المدارس. صحيح أن وزارة التربية مسؤولة والأجهزة الأمنية مسؤولة، لكن الأهل أيضاً مسؤولين. وهذا النوع على كل حال قابل للعلاج. لو فرضنا عائلة اكتشفت أن ابنتها أو ابنها مدمن مخدرات ففي بلدنا توجد إمكانية لمعالجته. وهذا موضوع سهل في العالم وليس من الامور الصعبة. كلنا مسؤولون اتجاه أولادنا، وشبابنا، وبناتنا ونتحمل مسؤولية ونعالج بسرعة دون أي تسويف.
المدارس، مدراء المدارس، نظّار المدارس، عليهم تحمل المسؤولية وأن لا يتسامحوا وأن لا يغضوا النظر. كل القطر المسؤولية في البلد. من ضمن صلاحياته القانونية بإمكانه القيام بالإجراءات فليبادر إلى القيام بها.

لتعامل الجميع مع آفة المخدرات كأولوية
وأخيراً، هذا أمر يدخل في الأولويات ولا يتنافى مع الأولويات الأخرى؛ بالعكس فهذا يقوّي وهذا يحصّن. لذلك أنا أتمنى من الجميع أن يعيدوا النظر في أن يكون هذا الموضوع هو موضع اهتمامهم ويعيدوا حساباتهم. في موضوع العلاقات الاجتماعية، في موضوع العلاقات الشخصية، في بعض القرى، في بعض المدن؛ هذا كله يجب أن يُحسم. لا أقول أتمنى على إخواني بل أقول لهم هذا واجبكم. هذا قرار علينا أن نعمل عليه جميعاً وبدقة ولا نتسامح فيه ولا نخجل فإذا خجلنا فلنخجل من الله وأنبيائه. فلنخجل من الحسين (عليهم السلام)، فلنخجل من الشهداء وعوائلهم، من الجرحى وعائلات الجرحى، فلنخجل من المجاهدين الحاملين دمائهم على أكفهم وكل واحد منهم معرّض للشهادة. من هؤلاء علينا الخجل وليس من فلان أو فلان: تاجر مخدرات أو مروّج مخدرات، كائنا من يكون، ومهما كانت عائلته، ومهما كانت عشيرته، وحتى مهما كان انتمائه السياسي، وحجمه وتأثيره. هذا الأمر يجب أن نتعاطى فيه بشكل حاسم لنحصّن بلدنا ومجتمعنا وأخلاقنا وبيوتنا وعائلاتنا وأمننا وأمن بلدنا من الأشكال الخطيرة والممكنة.
هذا جزء من المسؤوليات الملقاة على عاتقنا.
وما نتعلمه من الحسين (عليهم السلام) في هذه الليالي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصدق، النصيحة، الحرص على الناس وعلى البلد، مواجهة الفساد، الإيثار، التضحية، الصبر. ونوفّق أيضاً، فنحن قادرون في لبنان في هذا البلد الصغير أن نعالج هذه الآفة بالتعاون بين الدولة والشعب ككل المعادلات المذهبية نستطيع معالجة هذا الموضوع وننهيه. ولا يكون لبنان لا مقراً للمخدرات ولا ممراً للمخدرات كما يريده البعض. ولكن هذا يتطلب تحمل المسؤولية.

2016-12-27