يتم التحميل...

الدور الجهاديّ للمرأة

زاد عاشوراء

في ضوء هذه الآية الكريمة وفي ضوء ما هو المركوز في الفهم الإسلاميّ لدور وظيفة الأمّة الإسلاميّة التي تتلخّص بعبارة إعلاء كلمة الله في الأرض،

عدد الزوار: 16



في الحديث الشريف: "جهاد المرأة حسن التبعّل"1.

للمرأة موقعها في المشروع الإلهيّ للإنسانيّة.

قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً2.

في ضوء هذه الآية الكريمة وفي ضوء ما هو المركوز في الفهم الإسلاميّ لدور وظيفة الأمّة الإسلاميّة التي تتلخّص بعبارة إعلاء كلمة الله في الأرض، من خلال نشر رايات الهدى وتطبيق شرع الله تعالى تتحمّل الأمّة هذه المسؤوليّة التي إن وفّقت للنهوض بها فإنّ خيرها سيعمّ البشريّة جميعها، لتصبح كما قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ3.

فحينها ستكون الأمّة الإسلاميّة حاملة القيم الإنسانيّة الراقية والداعية غيرها إلى تبنّيها والساعية إلى نشرها وحفظه، وكذلك ستكون الشاهدة على ذلك من جهة كونها رقيبة على ذلك ومن خلال تقديم النموذج الراقي والمثال المأمول للإنسانيّة المصاغة على التعاليم الإلهيّة. وهذه المسؤوليّة وما تستتبع من أدوار ومهامّ ووظائف لا تختصّ بالذكور والرجال من المسلمين والمؤمنين بل لا شكّ ولا ريب أنّ للمرأة موقعها في هذا المشروع، وللمرأة أدوار ووظائف، والتاريخ والسيرة البشريّة وسنن الاجتماع الإنسانيّ تفصح أنّ طريق تحقيق هذه الأهداف ليست مفروشة بالورود، بل غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر عبر الصراعات العسكريّة، وبالتالي فثمّة مهامّ جهاديّة في مواجهة المعادين من الظلَمة والجائرين والكافرين.

فما هو دور المرأة في الجهاد؟

لا يختلف دور المرأة في تبليغ الرسالة ونشرها والدعوة إليها كثيراً عن دور الرجل، وإنّما الذي هو محلّ تساؤل هو دورها في حالات الصراع العسكريّ والجهاد. وقبل الخوض في مفردات هذا الدور لا بدّ من الإشارة إلى أمر وهو أنّ الإسلام عندما أراد أن يرسم للمرأة دورها في الحياة ويحدّد لها وظيفتها راعى مقتضيات تكوينها الطبيعيّ والنفسيّ وذلك لأنّ طبيعة الاجتماع الإنسانيّ تحتاج إلى المرأة في أنوثتها وعاطفتها ورهافة أحاسيسها وبدونه لا تتكامل الإنسانيّة على صعيد الأفراد كما على صعيد المجتمعات وعلى صعيد الإنسانيّة.

والآن تعالوا نُضئ على مفردات هذا الدور والذي يتلخّص بما يلي:

1- الدور التعبويّ:
بمعنى القيام بما يستنهض الهمم ويشعل الحماس في نفوس المجاهدين من خلال الخطب، والأشعار الحماسيّة، وكذلك من خلال بعض الأفعال الأخرى.

وفي تاريخ الإسلام نماذج من ذلك تلك المرأة التي كانت مع جيش أمير المؤمنين تستنهض همم المجاهدين وتستثير حميّتهم ونخوتهم وتعمل على تحفيزهم للقتال حتّى وقع في نفس معاوية منها ما وقع وظلّ في نفسه شيء منها إلى ما بعد شهادة الإمام عليّ عليه السلام.

وفي كربلاء نجد نماذج راقية، أمّ وهب التي أقحمت ولدها العريس ميدان الجهاد والشهادة وأبت عليه إلّا أن يقتل بين يدي حفيد رسول الله، بل كانت تقول وتحمل معه وإلى جانبه: "لن أعود حتّى أموت معك"4.

وثمّة امرأة في نساء كربلاء هي قائدتهنّ وقدوتهنّ زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام التي كان لها دور على صعيد هذه التعبئة ورفع الروح المعنويّة، قامت به خير قيام ومن تفاصيل وخطوات هذا، دورها ليلة العاشر عندما كانت تُسائل أخاه، ولعلّها كانت عالمة بأنّ ثمّة من يسمع كلامها من الأنصار، وهي تقول له أنّه هل استخبر نيّات أصحابه لعلّهم يسلموه عند الوثبة، فأشعلت هذه الكلمات نفوس الأصحاب وكذلك الهاشميّين، فخرجوا عن أجمعهم ليُسمِعوا زينب عليها السلام والحسين عليه السلام والنساء ما يثلج الصدور من عزمهم على النصرة والتضحية، وثانياً هو ما يختصّ بأخيها الحسين عليه السلام عندما سمعته يردّد الأبيات التي فيها:
يا دهر أفٍّ لك من خليلِ***كم لك في الإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل***والدّهر لا يقبل بالقليل
وكلّ حيٍّ سالك سبيلي
5

فصاحت قائلة له: كأنّك تغتصب نفسك اغتصاباً، وأنّ هذا أقرح لفؤادها.

فهي تقول ما مضمونه أنّ إقدامه عليه السلام على القتال فالشهادة مكرهاً أشدّ إيلاماً لقلبها من نفس القتل والشهادة. ولعلّه عليه السلام كان يريد لها أن تصل إلى هذا الموقف وهذا الرأي لتكون شريكة له في قرار القتال حتّى الشهادة.

2- خدمة المجاهدين وتمريضهم:
وتلخّص ذلك الصحابيّة الجليلة أمّ عطيّة فتقول: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات وكنت أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى"6.

3- الجهاد بالمال:
لقد أمر الله المؤمنين بأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأنّه اشترى منهم أموالهم كما اشترى منهم الأنفس.

ومن أبرز النساء المجاهدات بالمال السيّدة خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين التي أنفقت كلّ مالها في دعم الدعوة الإسلاميّة عندما كانت في أوائل خطواتها وفي أضعف حالاتها.

4- رعاية عوائل الشهداء:
وهنا يبرز دور العقيلة زينب عليها السلام في حفظ أيتام الشهداء ورعايتهم طيلة مسيرة السبي، بل في الروايات أنّها كانت تطعم الأيتام حصّتها من الخبز وتطوي أيّامها جوعاً حتّى أثّر فيها ذلك.

أدوار ووظائف أخرى للمرأة

للمرأة أدوار قامت بها تذكرها كتب السير، فمن ذلك الدور الأمين الذي قامت به صفيّة بنت عبد المطلّب التي قامت بقتل من تسلّل من المشركين إلى معسكر النبيّ للتجسّس وإلقاء الفتنة ولجمع المعلومات وكان من اليهود، ممّا ألقى الرعب في قلوبهم7.

وكذلك قامت بعض النساء بالجهاد العسكريّ عندما فرّ الرجال من ساحات القتال كما فعلت نسيبة المازنيّة في أحد.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمّة وجوهاً أخرى للحرب كالحرب النفسيّة والإعلاميّة والثقافيّة، تستطيع المرأة أن تؤدّي فيها دوره، ومن أبرز من يعطينا في ذلك درساً دور السيّدة زينب في حفظ العقيدة الإسلاميّة ومفاهيمها والردّ على الحرب النفسيّة التي شنّها الطغاة عندما ردّت على من أراد قلب المفاهيم بالقول كيف رأيت صنع الله بأخيك؟ حيث كان الردّ كلاماً يثبت العقيدة ويردّ الحجر من حيث أتى: ما رأيت إلّا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلج...8.

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- فروع الكافي، ج5، 2، ص9.
2- سورة البقرة، الآية 143.
3- سورة آل عمران، الآية 110.
4- اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، ص44.
5- روضة الواعظين، ص184.
6- المرأة في حضارة العرب، ص27.
7- أسد الغابة، ص492.
8- مثير الأحزان، ص79.

2016-10-13