يتم التحميل...

الشهيد مرتضى مطهري عبادة وتواضع

الشهيد مرتضى مطهري

فيما يلي نشير إلى بعض الخصائص الأخلاقية التي تحلى بها الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله:

عدد الزوار: 39

الخصائص الأخلاقية للشهيد مرتضى مطهري رحمه الله

فيما يلي نشير إلى بعض الخصائص الأخلاقية التي تحلى بها الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله:

التهجد والعبادة
تعتبر الخلوات العرفانية والعبادات المنطلقة من العشق واحدة من أبرز عوامل الموفقية في حياة الإنسان المسلم. وأما صلاة الليل وذكر الله فهي أمور تساعد الإنسان في تحصيل العلم، وحلِّ المشاكل، والوصول إلى الأخلاق، وتهذيب النفس وبالتالي تسوق الإنسان نحو الكمال. ويؤدي الإِقبال على اللذائذ المعنوية العميقة إلى امتلاك حالة من الاطمئنان والهدوء الروحي والنفسي وتجعل الإنسان موفقاً وثابتاً في مواجهة أمواج المشكلات وصعوبات الحياة.

يقول الشهيد مطهري رحمه الله في هذا الخصوص: "نحن نمتلك مجموعة من اللذائذ المعنوية التي ترفع من مستوى معنوياتنا. وهي عند أصحاب صلاة الليل والمتهجدين حالة تجعلهم من جملة الصادقين والصابرين والمستغفرين بالأسحار، وصلاة الليل لذة وبهجة... لقد شاهدنا هكذا أشخاص فوجدناهم لا يهتمون باللذائذ المادية".

يتحدث الشهيد مطهري حول والده ويقول: "أتذكر أنني كنت أرى هذا الشخص العظيم والشريف وهو لا ينتقل للنوم إلا بعد مضي ثلاث ساعات من الليل. كان يتناول طعام العشاء أول الليل وبعد ثلاث ساعات ينتقل للنوم ثم ينهض قبل ساعتين من طلوع الفجر وفي ليالي الجمعة كان ينهض قبل ثلاث ساعات. وكان يتلو جزءً من القرآن على الأقل، ثم ينهض لأداء صلاة الليل بهدوء وطمأنينة خاصة. واليوم وبعد مضي حوالي المائة عام من عمره أراه هادئاً مطمئناً لم يشهد أي ليلة مضطربة وهذه هي اللذة المعنوية وهذه هي التي جعلته لا ينسى الدعاء لوالديه كل ليلة".

أما الذي يرغب في الحصول على هذا النوع من اللذائذ فلا مجال أمامه سوى التقليل من اللذائذ المادية ليتمكن من الوصول إلى تلك اللذائذ المعنوية العميقة1.

وكان الأستاذ مطهري رحمه الله يتحلى شخصياً بهذه الروح العظيمة، وكان غارقاً في تلك اللذائذ المعنوية حيث كانت صلاته في الليل تؤثر على الآخرين. يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الخصوص: "كان المرحوم مطهري رحمه الله من أهل العبادة وأهل التزكية والأخلاق والروح. لا أنساه عندما كان يأتي إلى مشهد، كان يتردد إلى منزلنا، أو إلى منزل أقارب زوجته. في الليالي التي كان يأتي فيها إلينا كان ينهض وسط الليل للتهجد والعبادة.

كان يصلي صلاة الليل ويبكي بحيث كانت مناجاته وبكاؤه توقظ النائمين... نعم كان يصلي منتصف الليل وكان بكاؤه يسمع في الغرف المجاورة وكان كل ليلة يقرأ القرآن أما أثناء وجوده في السرير أو قبل ذلك"2.

مما لا شك فيه أن سر موفقية هذا العالم التقي هو الأدعية والمناجات الليلية.

الخضوع والخشوع في الصلاة
يتحدث حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد باقر حجتي في إحدى ذكرياته عن الحالات المعنوية للأستاذ مطهري ويقول: "دخلت المسجد في يوم من الأيام فوجدت الأستاذ مطهري رحمه الله في حالة إقامة الصلاة وكان الجو حاراً. كان شديد التركيز في صلاته بحيث لم يلتفت إلى دخولي. كان يصلي بتوجه وخضوع خاص بحيث جعلتني حالته هذه مشدوداً إليه. وبدل أن اقتدى به وجدت نفسي أنظر إليه. انتهى من الصلاة وعقب بالأدعية والتسبيحات، أما الحال والوضع الذي كنت أشاهده من الخلف فلا يوصف. وكأن القيامة وأحوالها قد وضعت..."3.

التواضع
التواضع واحد من الخصال الإنسانية الجميلة وقد أشار القرآن الكريم في آياته إلى أن التواضع من علامات العبد الصالح. وقد زين الشهيد مطهري حياته الطاهرة بهذه الصفة الإنسانية الجميلة وهو واحد من عبّاد الله الذين كانوا يتحركون في طريق الكمال.

ويظهر تواضع الشهيد مطهري من خلال كلام له رحمه الله يقول فيه:
"دعيت من قبل جامعة شيراز لإلقاء محاضرة. هناك حضر جميع الأساتذة وحتى رئيس الجامعة وقد تولى أحد الأشخاص الفضلاء التعريف بي. و هو من طلاب العلوم الدينية وقد انتقل فيما بعد إلى أمريكا للدراسة والتخصص فأصبح طبيباً.

اعتلى المعرّف المنبر وبدأ الحديث وكان الحضور كبيراً، فقال: "أنا أعرف فلاناً فقد كان في حوزة قم كذا و..." ثم قال في نهاية كلامه: "أقول هذه العبارة بجرأة كاملة، إذا كان زي العلماء فخراً للآخرين، ففلان هو الفخر لهذا الزي".

هنا شعرت بنار تحترق في داخلي نتيجة ما تفوه به. كنت أحاضر واقفاً. وكنت في العادة أضع العباءة على الطاولة، تحدثت قليلاً ثم توجهت إلى المعرّف وقلت له: "يا فلان! ما هذا الكلام الذي خرج من فمك؟ هل تدرك حقاً ما كنت تقول؟!

من أكون أنا لتقول بأنني الفخر لهذا الزي؟".

ثم قلت له: "يا فلان أنا ليس لي في عمري إلا فخر واحد، وهو هذه العمامة والعباءة. من أنا لأكون فخراً؟... إذا قَبِلنا الإسلام فهو فخرنا. إذا قَبِلنا الإسلام فهو وسام نضعه على صدورنا..."4.

كان هذا العالم الكبير شديد التواضع أمام العلماء وكان يفتخر بكونه عالماً ويردد: "أنا افتخر دائماً بسلوكي في سلك هذه الطائفة، وافتخر أنني تربيت في بيت علمائي وأمضيت عمري في الحوزات العلمية الدينية..."5.

كان الأستاذ مطهري يمتلك دائماً روحية طالب العلم ولم يعتبر نفسه في يوم من الأيام أفضل من الآخرين.
صحيح أن الشهيد مطهري كان مفكراً وفيلسوفاً من الطراز الأول ومع ذلك فقد دَوّن كتاب قصص الأبرار، وكان يخاطب المعترضين على ذلك قائلاً: "ليس المهم أن تظهر نفسك كبيراً، بل المهم هو السعي والاجتهاد في سبيل الهدف".

الابتعاد عن المعاصي
كان الأستاذ الشهيد مطهري يهتم كثيراً بمسألة الابتعاد عن المعاصي والأعمال الحرام وكذلك ترك المكروهات، والأكثر من ذلك أنه كان يترك العمل حين يشعر بأنه مخالف لرضى الله تعالى. يقول الشهيد مطهري في مذكراته: "أذكر أنه في أيام الدراسة كان البعض يجلسون إلى بعضهم البعض يتناولون الآخرين ويتحدثون عنهم أي أنهم كانوا يغتابونهم ـ وهذا قليل جداً في الحوزات ـ فيصل الشخص في مرحلة من المراحل ليجد نفسه وقد ابتلى بشكل كامل بهذا المرض.

في إحدى الجلسات كنت مع بعض الطلبة الذين بدأوا الحديث عن المرحوم آية الله العظمى "حجت" رضوان الله عليه، تحدثت عنه ببعض الأمور البسيطة ولكني شعرت بالألم الداخلي فلما يجب أن أشارك في هكذا جلسات ولما يجب عليَّ التفوه ببعض الأمور.

علمت بعد ذلك ان آية الله حجت يأتي صيفاً إلى زيارة مرقد الولي عبد العظيم عليه السلام. قصدت المكان وتوجهت إلى منزله، حيث استقبلني. بدأت الحديث معه وقلت له: لقد تناولتك بالغيبة ـ طبعاً بشكل قليل ـ وأنا نادم على عملي وقد أتيت إليك لأطلب المعذرة والسماح حيث قررت أن لا أعود للمشاركة في هكذا جلسات ولا الحديث عن الأشخاص.

قال لي وبكل لطف واحسان: اعلم أن استغابة أمثالي على نحوين: فقد يكون فيها ما من شأنه اهانة الإسلام وقد يكون فيها نوع من التجرؤ على شخصي فقط بما لا يترك أي إهانة على الإسلام. فهمت ماذا أراد القول فقلت له: استعيذ بالله إن كنت قد أهنت الإسلام أو تجرأت عليه. قال: "وقد سامحتك"6.

الغيرة الدينية
إن نظرة سريعة على آثار وأقوال المرحوم الشهيد مطهري رحمه الله يظهر بوضوح ما كان يتمتع به من غيرة دينية وحساسية في خصوص المسائل الإسلامية. كان مهتماً في جميع لحظات حياته أن يكون مدافعاً عن الإسلام.

* كتاب روضة المبلغين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الحق والباطل، ص170.
2- حكايات خاصة، ص88.
3- قطعة من الشمس، ص263.
4- الملحمة الحسينية، ج2، ص288 ـ 290.
5- المرجعية والروحانيون، ص95.
6- الأقوال المعنوية، ص 145 ـ 146.

2016-04-30