يتم التحميل...

التوحيد بين دليل النظم ودليل الصدّيقين

آيات التوحيد

أشار الفلاسفة في بحوثهم حول التوحيد إلى الأهمية الكبيرة لنوعين من الإستدلال على الخالق جلَّ وعلا : أحدهما الإستدلال من خلال «النظم».

عدد الزوار: 29

أشار الفلاسفة في بحوثهم حول التوحيد إلى الأهمية الكبيرة لنوعين من الإستدلال على الخالق جلَّ وعلا : أحدهما الإستدلال من خلال «النظم».

والآخر دليل «الصديقين».

ودليل «النظم» كما يظهر من اسمه، يبدأ من نظام عالم الوجود وأسراره ودقائقه، ليرشد إلى مصدر العلم والقدرة والخلق الذي أوجد ذلك ودبره، والقرآن الكريم مليء بهذا النوع من الإستدلال، فهو يذكر نماذج كثيرة عن آيات الله في السماء والأرض وفي مظاهر الحياة ونظمها وما يمور فيها من كائنات، وينتهي من هذا الطريق إلى إثبات وجود الصانع المدَبّر (جلَّ وعلا).

إنّ كلّ شخص يستطيع استيعاب هذا النوع من الإستدلال مهما كان مستواه وعلى قدر ما يجمل من علم وإدراك، إذ يستفيد منه أكبر العلماء على قدر استعداده وثقافته استيعابه، في نفس الوقت الذي يستفيد منهُ الأمّي وغير المتعلّم وغير المطّلع على فنون العلوم والمعرفة.

أمّا دليل «الصديقين» فهو نوع من الإستدلال يقوم بالوصول إلى (الذات) بواسطة (الذات) نفسها، ومثل هؤلاء يعرفونه تعالى من خلال وجوب وجوده.

بعبارة اُخرى : إنّ الممكنات والمخلوقات لا تكون هنا واسطة لإثبات وجوده، بل إنّ ذاته بنفسه تدل على ذاته، ويكون تعالى مصداقاً لـ «يا من دلَّ على ذاته بذاته» (1) ومصداقاً أيضاً لـ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 18].
إنّ هذا الإستدلال استدلال فلسفي معقد بحيث لا يستطيع أن يحيط بكنهه وبأعماقه إلاّ من يحيط بمبادئه، وليسَ من قصدنا هنا تبسيط الدليل فذلك شأن الكتب الفلسفية، وإنّما أردنا من خلال هذا العرض أن نقف على آراء بعض المفسّرين من الذين يعتقدون بأنّ مطلع الآية في قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ [فصلت: 53] يتضمّن إشارة إلى دليل «النظم» والعلة والمعلول. بينما اعتبروا نهاية الآية في قوله تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53] إشارة إلى دليل «الصديقين».

المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي، الكتاب أو المصدر: تفسير الامثل، الجزء والصفحة : ج12، ص225-226


1- هذا المقطع من دعاء الصباح المنقول عن أمير المؤمنين(عليه السلام).

2016-02-02