يتم التحميل...

الصلاة

فقه المريض

إن الصلاة هي الدعامة الأساسية في عبادات الإنسان المسلم ولذلك ورد في وجوبها والحثِّ عليها وعلى أدائها في وقتها الكثير من الآيات والروايات.ومنها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل،

عدد الزوار: 29

صلاة المريض

تمهيد

إن الصلاة هي الدعامة الأساسية في عبادات الإنسان المسلم ولذلك ورد في وجوبها والحثِّ عليها وعلى أدائها في وقتها الكثير من الآيات والروايات.ومنها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل، ما هو؟ فقال: "ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنَّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً1"2.

فما هي أحكام الصلاة للمرضى، وكيف يؤدونها حال المرض؟


لا تترك الصلاة بحال:
الصلاة كما ورد في بعض الأخبار "لا تترك بحال"، فلا تسقط بالمرض مهما كان نوع هذا المرض، وإذا لم يستطع المريض الإتيان بالصلاة على وجهها الطبيعي، فهنا يصلي كلُّ مريضٍ حسب حالته، وتشخيص حالته موكول إليه، ولكلِّ حالةٍ حكمها كما سيأتي تفصيله.

زوال العقل:
من شرائط وجوب الصلاة أن يكون الإنسان عاقلاً، فلا تكليف على المجنون، وزوال العقل الموجب لسقوط الصلاة يتصوّرُ بعدّة صور:

أ- الجنون المطبق:
أي الجنون الدائم، فهذا تسقط عنه الصلاة وليس عليه قضاء.

ب- الجنون الإدواري:
أي الجنون في بعض الأوقات دون بعض، فهذا تسقط عنه الصلاة في وقت جنونه، فلو كان جنونه نهاراً، فتسقط عنه الصلاة النهارية، وتبقى الليلية واجبة.
ولا يجب عليه قضاء ما فاته من صلاته حال جنونه إذا كان الجنون مستوعباً للوقت.

ج-الإغماء:
إذا أغمي عليه ـ لا بفعله ـ فإنه تسقط عنه الصلاة في وقت إغمائه، فلو أغمي نهاراً وأفاق ليلاً، سقطت عنه الصلاة النهارية وقضاؤها، ولكن وجب عليه الصلاة الليلية.

وظيفة المريض في مقدمات الصلاة:
1- الوقت:

من مقدمات الصلاة الضرورية دخول الوقت فلا تصح قبل دخول وقتها، وتستحب في أول وقتها لكنّ ما هو حكم المريض؟ يجوز أن يصلي صاحب الجبيرة أول الوقت مع اليأس عن زوال العذر إلى آخره، ومع عدم اليأس الأحوط وجوباً التأخير3.

2- طهارة اللباس والبدن
إذا تمكَّن المريض من إزالة النجاسة ولو في آخر وقت الصلاة مع وجود متّسع للصلاة، يجب عليه الانتظار.
إذا لم يمكنه إزالة النجاسة للزوم حرجٍ أو ضررٍ، ولعلمه بعدم ارتفاع العذر ولو إلى آخر الوقت، فحكمه جواز الصلاة في أول الوقت، ولا يجب عليه القضاء بعد ارتفاع العذر خارج الوقت.

هناك نجاسات يعفى عنها في الصلاة منها:
أ- دم الجروح والقروح، في البدن واللباس حتى تبرأ، ولكن الأحوط وجوباً إزالته أو تبديل ثوبه إذا لم يكن مشقة نوعية أو حرج شخصي في ذلك.ويدخل في الحكم ( العفو ) دم البواسير، وكل قرح أو جرح باطني خرجَ دمُهُ إلى الخَارج.

ب- الدمُ في البدن واللباس إن كانت سعته أقل من الدرهم4؛ فلو كان الدم الخارجُ من المريض أقل من الدرهم، فهو معفوٌ عنه وجاز الصلاة فيه، إذا لم يكن من الدماء الثلاثة (حيض، نفاس، إستحاضة، على الأحوط في الأخير5.

3- مكان المصلي
لا تعتبر الطهارة في مكان المصلي كسرير المريض فلو كان متنجساً لا يضرُّ بصلاة المريض، إلا أن الطهارة لا بد منها في خصوص مسجد الجبهة.

ويعتبر فيما يسجد عليه أن يكون ثابتاً ومما يصح السجود عليه سواء كان مريضاً أم لا، ولو فرضنا أن المريض أو غيره لم يكن عنده ما يصح السجود عليه أو كان ولم يتمكن من السجود عليه لعذر سجد على ثوب القطن أو الكتان، ومع فقدهما (أي القطن أو الكتان) سجد على ثوبه من غير جنسهما، ومع فقده سجد على ظهر كفّه، وإن لم يتمكن فعلى المعادن6.

وظيفة المريض في أفعال الصلاة
1- القيام:

في الحالات التي لا يكون فيها الإنسان مريضاً، يجب عليه القيام أثناء تكبيرة الإحرام والقراءة والذكر في الصلاة، كما لا يجوز الاستناد إلى شيء حال القيام مع الاختيار، أما في حالات الاضطرار (كالمريض المضطر للإستناد أو الجلوس) فإن الأمر يجوز بمقدار الضرورة الداعية إلى ذلك، فلا يجوز القعود من دون اضطرارٍ مع التمكن من القيام مستنداً إلى إنسان أو غيره.

ومن المهم أن يلتفت المصلي إلى أنه لا يجوز تفريج الرجلين بمقدار كبير غير متعارف إلا مع الاضطرار إلى ذلك.

وخلاصة الأمر: أن المصلي إذا لم يقدر على القيام أصلاً ولو مستنداً أو منحنياً أو موسعاً ما بين رجليه، صلّى من جلوس، كما لا يجوز في الجلوس الاستناد والتمايل إلا مع الاضطرار.

كيفية الصلاة مضطجعاً:
وقد تصل بعض حالات المرض بالإنسان لمرحلة لا يستطيع معها الجلوس أيضا، وحكم المريض في هذه الحالة أن يصلي مضطجعاً على جانبه الأيمن، فإن تعذر فعلى الجانب الأيسر، ولو لم يقدر على القيام أو الجلوس أو الاضطجاع على أحد جنبيه، صلّى مستلقياً على ظهره، كهيئة المحتضر، بحيث يكون باطن رجليه إلى القبلة7.

من أحكام قيام المريض:
لو تمكن من القيام ولم يتمكن من الركوع قائماً، صلّى قائماً ثم جلس وركع جالساً.
إذا لم يتمكن المريض من الركوع والسجود أصلاً ولا من بعض مراتبهما الميسورة (كالانحناء اليسير)، حتى في حالة القعود، صلّى قائماً وأومأ للركوع والسجود، والأحوط وجوباً فيما إذا تمكن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالساً، بل الأحوط وجوباً وضع ما يصح السجود عليه على جبهته إن أمكنه ذلك8.

لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع، وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، ثم إذا قدر على القيام قام وهكذا9.

2- القراءة:
من أحكام القراءة للمريض:

من لا يقدر على القراءة الصحيحة، لمرض في لسانه يجوز له الصلاة منفردا10.
ومن لا يقدر على النطق لعارض مرضي أو لخرس، فيصلي بالإشارة.

3- الركوع:
إذا لم يتمكن المريض من الركوع الواجب (الانحناء المتعارف بحيث تصل يده ـ والأحوط راحة يده ـ إلى ركبتيه) بنفسه، فيجب عليه أن يعتمد على غيره إن أمكن11.

إذا لم يمكنه الاعتمادُ على غيره، أتى بالممكن من الانحناء، ولا ينتقل إلى الجلوس.
إذا لم يتمكن من الركوع إلا جالساً، ركع جالساً، والأحوط صلاة أخرى بالإيماء قائماً، ويتحقق ركوع الجالس بإنحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه.

إذا لم يتمكن من الركوع جالساً، أجزأ الإيماء، فيومي برأسه قائماً، فإن لم يتمكن من الإيماء، غمض عينيه للركوع وفتحهما للرفع منه12.

4- السجود:
يجب السجود على سبعة أعضاء:
باطن الكفين، ومع الإضطرار (كالمرض) يجزي مسمَّى الباطن (وهو أن يلامس باطن الكف الأرض ولو بشكل يسير)، ولو لم يقدر إلا على ضم الأصابع إلى كفه والسجود عليها يجتزي به، ومع تعذر ذلك كلِّه يجزي ظاهر الكفين، ومع عدم إمكانِه أيضاً لقطع ونحوه ينتقل إلى الأقرب من الكف.

الركبتين بحيث يلامسان الأرض.
إبهامي القدمين والأحوط وجوبا مراعاة طرفيهما.

والجبهة، فمن كان في جبهته مرضٌ كالجرحِ أو القرحِ أو الحرقِ، فإن لم يكن المانع مستوعباً للجبهة، فيسجد على الموضع السليم منها، ولو بحفر حفيرة ووضع الدمل فيها.

وإن استوعب المرض تمام الجبهة أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض سجد على أحد الجبينين، والأولى تقديم الأيمن على الأيسر، وإن تعذر ذلك سجد على ذقنه.

وإن تعذر السجود على الذقن فالأحوط وجوباً تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدم رأسه على الأرض.
وإذا لم يقدر المريض على ذلك كله فالأحوط وجوباً تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئة السجود13.

حكم العاجز عن السجود:
قد يعجز المريض في بعض الحالات المرضية عن السجود الاعتيادي، وحكمه في هذه الحالات أن يعمل بمقدار القدرة، فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة يجب عليه ذلك، ولا بد له من أن يكون مراعياً لواجبات السجود من وضع أعضاء السجود وغيرها.

وإذا تمكن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكن، ورفع المسجد إلى جبهته كأن يضع ( السجدة ـ التربة) على طاولة صغيرة مراعياً طاقته على الانحناء.
وإن لم يتمكن من الإنحناء أصلاً، أومأ إلى السجود برأسه، وإن لم يتمكن من الإيماء برأسه فبعينيه، والأحوط وجوباً له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكن من وضع الجبهة عليه14.

*فقه المريض , سلسلة الفقه الموضوعي , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- مريم:31.
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج4، ص 38.
3- تحرير الوسيلة، ج1، ص 36، المسائل: 14، وص 11، المسألة1.
4- الدرهم: سعة عقد السبابة.
5- تحرير الوسيلة، ج1، ص 124، مسألة 1.
6- تحرير الوسيلة، ج1، ص 28، مسألة 12.
7- تحرير الوسيلة، ج1 ص 148، المسائل 2، ج 3 5.
8- تحرير الوسيلة، ج1، ص 164، مسألة 6.
9- تحرير الوسيلة، ج1، ص 164، مسألة 7.
10- تحرير الوسيلة، ج1، ص 154، مسألة 16.
11- تحرير الوسيلة، ج1، ص 170، مسألة 1.
12- تحرير الوسيلة، ج1، ص 170، مسألة 2.
13- تحرير الوسيلة، ج1، ص 175، مسألة 6 ،وج1، ص 173، مسألة 1..
14- تحرير الوسيلة، ج1، ص 175، مسألة 8.

2016-01-13