يتم التحميل...

علم البيان - التشبيه

البلاغة

البيانُ فِي الُّلغَةِ: مَعْنَاهُ الظُهُورُ والوضُوحُ والإِفْصَاحُ، وَمَا تَبيَّنَ بِهِ الشَّيءُ مِنَ الدَّلاَلةِ وغيرِهَ، نَقُولُ بَانَ الشيءُ بياناً: اتّضحَ، فهو بيّنٌ، والجمعُ: أبْيناء.

عدد الزوار: 19

مدخل في التعريف بعلم البيان:

البيانُ فِي الُّلغَةِ: مَعْنَاهُ الظُهُورُ والوضُوحُ والإِفْصَاحُ، وَمَا تَبيَّنَ بِهِ الشَّيءُ مِنَ الدَّلاَلةِ وغيرِهَ، نَقُولُ بَانَ الشيءُ بياناً: اتّضحَ، فهو بيّنٌ، والجمعُ: أبْيناء.

والبيان: الفصاحة واللَّسَن1، وكلام بيّن: فصيحٌ، وفلانٌ أبْينُ مِنْ فلانٍ: أفصحُ وأوْضَحُ كلاماً منْهُ.

وَوَرَدَتْ كلمةُ "البَيَانِ" بدلَالَاتِها الُّلغَويَّةِ فِي آَياتِ القرآنِ الكريمِ، ومنْهَا قولُهُ - تَعَالَى-: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ2.

وقولُهُ - تَعَالَى -: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ3.

بِهَذَا التعليمِ تَمَيَّزَ الإنسانُ عَنْ كثيرٍ مِن خلقِهِ - تَعَالَى -، وصَارَ ناطقاً مُبِينَاً، يَستطِيعُ أنْ يعبِّرَ عمَّا يخطُرُ بخَاطِرِهِ، ويَجُولُ فِي نفسِهِ مِنَ المَعَانِي، فَيوصِلهَا إِلَى غيَرِهِ مِنَ الَبشرِ، ويَتلقَّاهَا الغَيرُ عَنْهُ، فَيَتمُّ التَفَاهُمُ.

ثمَّ أَخَذَتْ كلمةُ "البيانِ" دلَالَاتِها الاصطلاحيَةَ فِي مَا بَعدُ فأصبَحَ "البيانُ" أحدَ علومِ البَلاغَةِ الثلاثةِ المعروفةِ: "البيانُ والمعانِي والبَديعُ".

وقَد تَداخَلَ علمُ "البيانِ" بادئَ الأَمرِ مَعْ عِلمِ "المعانِي"، واستوعَبَ بَعضَ مَباحثِهِ لَاحِقاً علومَ البَلاغَةِ كلَّها بعضَ الأَحيانِ.

وقد عَرَّفَ البيانَ مجموعةٌ مِنَ الأُدَبَاءِ:

فقال الجاحظ: "والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ الله عزّوجلّ يمدحُه، ويدعو إليه ويحثُّ عليه، بذلك نَطَقَ القُرآنُ، وبذلك تفاخَرَت العَرب، وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم، والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى، وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير، حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته، ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ، ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل،لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع، إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام،فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى، فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع"4.

وقد عرَّفه الخطيب القزويني بقوله: "علم يُعرَف به إيرادُ المعنى الواحدِ بطرقٍ مختلفةٍ في وضوحِ الدَّلالة عَليهِ"5.

والبيان كما ترى ينصب على الدلالة، وهي عند المناطقة أنواع:
أ- دلالة المطابقة: وهي أن يدل اللفظ على المفهوم الذي وُضع له في اللغة من غير زيادة أو نقصان. فهي دلالة وضعيه كدلالة لفظ "البيت" على البيت.
ب- دلالة التضمن: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يتضمنه مدلوله الأصلي كأن يدل لفظ "البيت" على السقف.
ج- دلالة الالتزام: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يقتضيه مدلوله الأصلي عقلاً أو عرفاً، كأن يدل لفظ "الحائط" على السقف.

ودلالة التضمن والالتزام دلالتان عقليتان إذ يعتمد فيهما الذّهن على جملة من الوسائط في المرور من مدلول إلى آخر. وهذا المرور أو التجوز كثير في الكلام ولذلك انفرد علم البيان داخل علم البلاغة بدراسة وجوهه. فهو يشتغل بـ "الملازمات بين المعاني"6.

وسوفَ نحصُرُ الحديثَ عَنْ هَذَا العلمِ فِي موضوعاتٍ، أهمُّهَا: التَّشبِيهُ بأَركانِهِ وأَنواعِهِ، والاستعارةُ بِبعضِ أنواعِها، والمجازُ المرسلُ بعلاقاتِهِ المتعدِّدةِ، والمجازُ العقليُّ، والكنايةُ.

التشبيه

تمهيدٌ:
للتّشبيهِ روعةٌ وجمالٌ، وموقعٌ حسنٌ في البلاغةِ، وذلكَ لإخراجهِ الخفيَّ إلى الجليِّ، وإدنائهِ البعيدَ منَ القريبِ، يزيدُ المعاني رفعةً ووضوحاً، ويكسبُها جمالاً وفضلاً، ويكسوها شرفاً ونُبلاً، فهو فنٌّ واسعُ النطاقِ، فسيحُ الخطوِ، ممتدُ الحواشي، مُتَشعبُ الأطرافِ، مُتوعرُ المسلكِ، غامضُ المدركِ، دقيقُ المجرَى،غزيرُ الجدَوى.

ومنْ أساليبِ البيانِ أنكَ إذا أردتَ إثباتَ صفةٍ لموصوفٍ، مع التوضيحِ، أو وجهٍ من المبالغةِ، عمدتَ إلى شيءٍ آخرَ، تكونُ هذه الصفةُ واضحةً فيه، وعقدتَ بين الاثنينِ مماثلةً، تجعلُها وسيلةً لتوضيحِ الصفةِ، أو المبالغةِ في إثباتها، لهذا كان التشبيهُ أولَ طريقةٍ تدلُّ عليهِ الطبيعةُ لبيانِ المعنَى.

تعريفُ التشبيهِ:

التشبيهُ: لغةً التمثيل ُ، نقول: هذا شبهُ هذا ومثيلُه.

والتشبيهُ اصطلاحاً: هو مشاركة أمر لأمر في معنى بأدواتٍ معلومةٍ7 أو هو عقدُ مماثلةٍ بينَ أمرينِ أو أكثرَ، قُصِدَ اشتراكهُما في صفةٍ أو أكثرَ، بأداةٍ، لغرضٍ يقصُدهُ المتكلِّمُ للعلمِ، كقول المَعَرِّيّ في الْمَديح:8
أَنْتَ كالشَّمْسِ في الضِّياءِ وإِنْ جا***َزْتَ كيوانَ فِي عُلُوِّ المكانِ

حيث عَرَفَ الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَضِيءُ الوجهِ مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتيَ له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهي الضياءُ والإشراقُ، فلمْ يجدْ أقوَى مِنَ الشَّمسِ، فضَاهَاهُ بِهَا، ولِبيَانِ المضاهاةِ أتَى بالكافِ.

وكقولِ الشاعرِ:
كأَنَّ أَخْلاقَكَ فِي لُطْفِها***ورقَّةٍ فِيها نَسِيمُ الصَّباحْ

فقد وجَدَ الشاعرُ أخلاقَ صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاحُ لها النفسُ، فَعملَ على أنْ يأْتي لها بنظيرٍ تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفةُ وتَقْوَى، فرأَى أنَّ نسيمَ الصباحِ كذلكَ، فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأنَّ".

ومِنْ هنَا نَرَى فِي كلِّ بيتٍ مِنَ البيتينِ السَّابقينِ أَنَّ شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيءٍ فِي صفةٍ مشتركةٍ بينهما، وأَنَّ الَّذي دلّ عَلى هَذِهِ المُماثلةِ أَداةٌ هِي الكافُ أَو كأَنَّ، وهَذا ما يُسَمَّى بـ "التشبيهِ"، فَقَد رأَيتَ أَنْ لا بدَّ لهُ من أَركانٍ أَربعةٍ: الشيء الذي يُرادُ تشبيهُهُ ويسمَّى "المشبَّهَ"، والشيء الَّذي يُشَبَّه به ويُسمَّى "المشبَّه به"، والصفةُ المشتركة بَينَ الطَّرفين وتسمَّى "وجه الشَّبَه"، و"أداةُ الَّتشبيهِ" وهي الكاف وكأَن ونحوهما.

أركانُ التشبيهِ:

1- المُشبَّهُ: هو الأمر ُالذي يُرادُ إلحاقُهُ بغيرهِ، "وقد يكون المشبَّه محذوفاً للعلم به، ولكنَّه يُقَدَّرُ في الإِعرابِ، وهذا التقديرُ بمثابةِ وجودِهِ كَمَا إذا سُئِلت "كيفَ عليٌّ"؟ فقلتَ: "كالزهرة الذابِلةِ" فإِنَّ "كالزهرة" خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: "هو الزهرةُ الذابلةُ"9.

2- المُشبَّهُ به: هو الأمرُ الذي يُلحَقُ بهِ المشبَّهُ، وهذانِ الركنانِ يسميانِ طرفي التشبيهِ.

3- وجهُ الشبهِ: هو الوصفُ المشترَكُ بينَ الطرفينِ، ويكونُ في المشبَّهِ به أقوَى منهُ في المشبَّهِ، وقد يُذكرُ وجهُ الشَّبهِ في الكلامِ، وقد يُحذَفُ.

4- أداة ُالتَّشبيهِ: هي اللفظُ الذي يدلُ على التشبيهِ، ويربطُ المشبَّهَ بالمشبَّهِ به، وقد تُذكرُ الأداةُ في التشبيهِ، وقدْ تحذف.

* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- يقال: رجلٌ لسنٌ بَيِّنُ اللَسَنِ إذا كان ذا بيان وفصاحة.
2- سورة آل عمران، الآية: 138.
3- سورة الرحمن، الآيات: 1-4.
4- البيان والتبيين.
5- الخطيب القزويني، الايضاح في علوم البلاغة، ص 215.
6- السكاكي، مفتاح العلوم، ص 118.
7- التفتازاني، مختصر المعاني، ص 188، الناشر: دار الفكر، مطبعة قدس - قم 1411 هـ.
8- كيوان: زحل، وهو أحد الكواكب المعروفة في المجموعة الشمسية.
9- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 223.

2015-11-07