يتم التحميل...

البلاغة

البلاغة

البَلاغَةُ لُغةً: الوصُولُ والانتِهاءُ إِلَى الشيءِ، يُقَالُ: بَلَغَ فُلانٌ مُرادَهُ إذَا انتَهَى إِليهِ. قَالَ تَعالَى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أيْ: وصَلَ، وبَلَغَ الرَّاكِبُ المَدِينَةَ: إذَا وَصَلَ إِليْهَا، ومَبْلغُ الشَّيءِ: مُنتَهَاهُ.

عدد الزوار: 15

البَلاغَةُ لُغةً: الوصُولُ والانتِهاءُ إِلَى الشيءِ، يُقَالُ: بَلَغَ فُلانٌ مُرادَهُ إذَا انتَهَى إِليهِ. قَالَ تَعالَى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾1 أيْ: وصَلَ، وبَلَغَ الرَّاكِبُ المَدِينَةَ: إذَا وَصَلَ إِليْهَا، ومَبْلغُ الشَّيءِ: مُنتَهَاهُ.

البَلاغَةُ اصطلاحاً: هِيَ مطابقةُ الكلامِ الفصيح2 لمقتضى الحالِ. أوهِيَ سَوْقُ الكَلامِ الفَصِيحِ عَلَى مقتضَى الحَالِ بِحَسبِ المقَامَاتِ3. ولا تكون البلاغة وصفاً للكلمة.

بَلاغةُ الكَلامِ4:

البلاغةُ في الكلامِ: مطابقتُه لما يقتضيه حالُ الخطابِ مَعْ فَصاحةِ ألفَاظهِ "مفردِها ومركَّبِها".

والكلامُ البليغُ: هو الذي يُصورِّهُ المتُكلِّمُ بصورةٍ تناسبُ أحوالَ المخاطبين.

وحالُ الخطابِ "ويسمَّى بالمقامِ" هوَ الأمرُ الحاملُ للمتكلِّم على أن يُوردَ عبارتَه على صورةٍ مخصوصةٍ دون أخرى.

بلاغةُ المتكلِّم5:

هي مَلَكة في النَّفس يقتَدرُ بِهَا صاحبُها عَلَى تَألِيفِ كلامٍ بليغٍ، مُطابقٍ لمقتَضَى الحال، مَع فصاحتهِ في أيِّ معنًى قَصَده، وتِلكَ غَايةٌ لَنْ يَصِلَ إِليْهَا إلاَّ من أحاطَ بأساليبِ العَربِ خُبراً، وعَرَفَ سُننَ تخاطُبهِم في مُنافراتِهِم، ومُفاخَراتِهِم، ومَدِيحِهِم، وَهجائهِم وَشكرهِم، واعتذارهِم، لِيلَبسَ لكلِّ حالةٍ لبُوسَها "ولكلِّ مقامٍ مَقالٌ".

الغايةُ منَ البلاغةِ:

تَأدِيَةُ المعنى الجميلِ واضحاً بعبارةٍ صَحِيحةٍ فصيحة ٍ،لهَا فِي النَّفسِ أثرٌ ساحرٌ، مَع مُلاءَمَةِ كلِّ كلامٍ للموطنِ الذي يُقالُ فيهِ، والأشخاصِ الَّذينَ يُخاطَبوُنَ.

عناصرُ البلاغةِ:

هي لفظٌ ومعنًى، وتأليفٌ للألفاظ يمنحُها قوةً وتأثيراً وحسناً، ثم دقةٌ في اختيارِ الكَلِماتِ والأساليبِ عَلَى حَسبِ مَواطنِ الكلامِ ومواقِعِهِ، وَمَوضُوعاتِهِ، وحالِ السَّامعينَ، والنزعةِ النفسيَّةِ الَّتِي تَتَمَلَّكُهم،وتسيطرُ عَلَى نُفوسِهم.

أسَاسُ البَلاغةِ:6

البَلاغةُ فنٌ مِنَ الفُنونِ، يَعتمِدُ عَلَى صَفَاءِ الاستعدادِ الفطريّ ودقَّةِ إدراكِ الجَمَالِ، وتَبينِ الفُروقِ الخفيةِ بينَ صُنوفِ الأسَاليبِ، وللمَرَانَةِ يدٌ لَا تُجْحَدُ فِي تكوينِ الذَّوقِ الفنِّيِّ، وتنشِيطِ المَواهِبِ الفاتِرَةِ، ولَا بُدَّ للطَّالِبِ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءةِ طَرائِفِ الأَدَبِ، والتملُّؤِ مِنْ نَمِيرِهِ الفيَّاضِ، ونقدِ الآَثَارِ الأدبيَّةِ والمُوازَنَةِ بَيْنَهَ، وأنْ يَكونَ لَهُ مِنَ الثِّقةِ بِنفسِهِ مَا يَدفعُهُ إِلَى الحُكمِ بِحُسنِ مَا يَرَاهُ حسناً وبقبحِ مَا يَعُدُّه قبيحاً.

وليسَ هناكَ مِنْ فَرقٍ بَينَ البَلِيغِ والرَّسَامِ إلَّا أنَّ هَذَا يَتَناوَلُ المَسمُوعَ مِنَ الكَلامِ، وذَلِكَ يُشَاكِلُ بَينَ المرئيِّ مِنَ الألوانِ والأشْكالِ، فالرسَّامُ إذَا همَّ برسمِ صورةٍ فَكَّرَ فِي الألوانِ المُلائِمةِ لَهَ، ثمَّ فِي تأليفِ هَذِهِ الألوانِ بِحَيثُ تَخْتَلِبُ الأبصارَ وتُثِيرُ الوجْدانَ، والَبليغُ إذَا أرادَ أنْ يُنشئَ قَصيدةً أو مَقالَةً أو خطبةً فَكَّرَ فِي أجْزائِهَ، ثمَّ دَعَا إليهِ مِنَ الألفَاظِ والأَسالِيبِ أخفَّهَا عَلَى السَّمعِ، وأكثرَهَا اتصَالاً بموضوعِهِ، ثمَّ أقواهَا أثَراً فِي نُفوسِ سَامِعيهِ وأَروعَهَا جَمَالاً.

بَينَ الفَصَاحَةِ والبَلاغَةِ:

ربَّ كلمَةٍ حَسُنَتْ فِي مَوطِنٍ ثمَّ كانَتْ نَابِيةً مستكرهةً فِي غَيرِهِ، ورُبَّ كَلامٍ كَانَ فِي نَفسِهِ حَسَناً خَلاَّباً حَتَّى إذَا جَاءَ فِي غَيْرِ مَكانِهِ وسَقَطَ فِي غَيرِ مَسقَطِهِ خَرَجَ عَنِ حَدِّ البَلاغَةِ وكَانَ غَرَضَاً لِسِهامِ النَّاقِدينَ، فَقَدْ كرِهَ الأُدَبَاءُ كَلِمَةَ "أيْضاً" وعَدُّوهَا مِنْ ألفاظِ العُلمَاءِ فَلَمْ تَجْرِ بِهَا أقلامُهُم فِي شِعْرٍ أو نَثْرٍ، حَتَّى ظَهَرَ مِنْ بَيْنِهِم مَنْ قَالَ7:
رُبَّ وَرقاءَ هتوفٍ في الضُحى ذاتِ شَجوٍ صَدَحت في فَنَنِ
ذكرت إِلفاً ودهراً صالحاً فبكت حزناً وهاجت حَزني
فبكائي ربما أرَّقَها وبكاها ربما أرَّقَني
ولقد تشكو فما أفهمها ولقد أشكو فما تفهمني
غير أنّي بالجوى أعرِفُها وهي أيضاً بالجَوى تعرفُني

فَوَضَعَ "أيضاً" فِي مَكَانٍ لَا يَتَطَلَّبُ سِوَاهَا ولَا يَتَقبَّلُ غيرَهَ، وكانَ لَهَا مِنَ الرَّوْعَةِ والحُسْنِ فِي نفسِ الأدِيبِ مَا يَعجزُ عنْهَا البَيَانُ.

ومِنَ الأمثِلةِ الَّتِي تُسَاقُ فِي خُروجِ الكَلَامِ عَنْ حَدِّ البَلاغَةِ، حَتَّى وإنْ كَانَ فِي نَفسِهِ حَسَناً وجَميلاً قَولُ المُتَنَبِي فِي مَطْلَعِ قصيدةٍ مَدَحَ فِيهَا كَافورَ الإخشيديَّ:
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

وقولُهُ:
وَما طَرَبي لَمّا رَأَيتُكَ بِدعَةً لَقَد كُنتُ أَرجو أَن أَراكَ فَأَطرَبُ

وقولُ أبِي النَّجْمِ لمَّا دَخَلَ عَلَى هِشَام بنِ عَبدِ المَلِكِ:
حَتّى إِذا الشَمسُ اِجتَلاها المُجتَلي بَينَ سِماطَىْ شَفَقٍ مُهَوِّلِ
فَهيَ عَلى الأُفقِ كَعَينِ الأَحوَلِ صَغواءَ قَد كادَت وَلَمّا تَفعَلِ8

وكانَ هِشَامُ أحولَ فأمَرَ بِحَبسِهِ.

أقسامُ عِلمِ البلاغةِ:

ينقسمُ علمُ البلاغة إلى ثلاثةِ أقسِامٍ:
علمُ البيان: وهو علمٌ يعرَف به إيرادُ المعنَى الواحدِ بطُرُقٍ مختلفة ٍفِي وضوحِ الدلالةِ عليهِ.
علمُ المعاني: وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحالِ.
علمُ البديعِ: وهوَ علمٌ يُعرَفُ بِهِ وجوهُ تحسينِ الكلامِ، بَعدَ رِعَايةِ تطِبيقِهِ عَلَى مقتضَى الحالِ ووضوحِ الدلالةِ.

الهدفُ مِنْ دراسةِ البَلاغَةِ:

أ- معرفةُ إعجازِ9 القرآن الكريمِ، من جهةِ ما خصَّهُ اللهُ به من جودةِ السبَّكِ، وحُسن الوصفِ، وبَراعةِ التَّراكيبِ، ولُطفِ الإيجاز، وما اشتملَ عليه من سُهولةِ الترَّكيبِ، وجزالةِ كلماتهِ، وعُذوبِة ألفاظهِ وسلامتِها، إلى غير ذلك من محاسنهِ التي أقعدتِ العربَ عن مناهضتِه، وحارتَ عقولهُم أمامَ فصاحتهِ وبلاغتهِ.

ب- معرفة أسرارِ كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والائمة عليهم السلام فهم أبلغُ البلغاءِ، وأفضلُ من نطقَ بالضادِ، وذلك ليصارَ للعملِ بها، ولاقتفاء أثرهم في ذلكَ.

ج- الوقوفُ على أسرارِ البلاغةِ والفصاحةِ- في مَنثورِ كلامِ العرب ومنظومِه - كي نحتذيَ حذوهُ، وتننسُجَ على منوالهِ، ونفرِّقَ بين جَيِّدِ الكلام ورديئِهِ.

* كتاب البلاغة الميسّرة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة يوسف، الآية: 22.
2- البلاغة أخص والفصاحة أعم.
3- قيل لبشار: إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت، قال: وما ذاك؟ قال قلت: بينما تقول شعراً تثير به النقع وتخلع به القلوب، مثل قولك:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ذُرى منبرٍ صـلى عـلـينـا وسـلـمـا
تقول:
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيتِ
لها عشر دجاجات وديكٌ حسن الصوتِ
فقال: لكل وجه وموضع، فالقول الأول جد، وهذا قلته في ربابة جارتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندهاً، فهذا عندها من قولي أحسن من: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل عندك.
ابي الفرج الاصفهاني، الأغاني، ج3، ص 114، بيروت، دار احياء التراث.
4- الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص11، الناشر دار الكتاب الاسلامي - بيروت، مطبعة أمير - قم، 1411هـ - 1990م.
5- م. ن، ص14.
م. ، ص11.
6- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص10.
7- أبو بكر الشبلي، دلف بن جحدر الشبلي. 247 - 334 هـ / 861 - 946 م، ناسك، كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند (من نواحي رستاق الري)، وولي الحجابة للموفق العباسي، وكان أبوه حاجب الحجاب ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح.
له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة، أصله من خراسان، ونسبته إلى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، مولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد، اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل (دلف بن جعفر) وقيل (جحدر بن دلف) و(دلف بن جعترة) و(دلف ابن جعونة) (وجعفر بن يونس).
8- ويروى ايضا بهذه الكيفية: "صفراء قد كادت ولما تفعل كأنها في الافق عين الاحول".
9- روى أن الوليد بن المغيرة قال لبني مخزوم: والله، لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم.

2015-11-07