يتم التحميل...

كلمة السيد حسن نصر الله خلال مؤتمر علمائي تضامني مع شعب اليمن في مدينة قم المقدسة

2015

أود في البداية أن أعبّر عن الشكر والتقدير لاجتماعكم الكبير هذا نصرةً لشعب اليمن وتضامناً معه؛ لأنَّ أغرب ما يجري في هذه الحرب وفي هذا العدوان السعودي الأميركي على اليمن هو أن تجد العالم بين مؤيدٍ وساكت.

عدد الزوار: 15

خطبة السيد حسن نصر الله"حفظه الله" في المؤتمر العلمائي للتضامن مع شعب اليمن في مدينة قم_07-06-2015

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمدٍ خاتم النبيين على أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين

السادة العلماء السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

أود في البداية أن أعبّر عن الشكر والتقدير لاجتماعكم الكبير هذا نصرةً لشعب اليمن وتضامناً معه؛ لأنَّ أغرب ما يجري في هذه الحرب وفي هذا العدوان السعودي الأميركي على اليمن هو أن تجد العالم بين مؤيدٍ وساكت. وقليلٌ هم الرافضون والمنددون الذين يدينون هذا العدوان وجرائمه ومجازره. هذا الأمر ينطبق أيضاً على العلماء في العالم الإسلامي وعلى المؤسسات الدينية والعلمية. وهذا أمرٌ محزنٌ جداً ويكشف عن جانبٍ من مظلومية الشعب اليمني وغربته في هذه الأيام.

إنَّ هذا الاجتماع العلمائي الكبير من الأساتذة المحترمين في الحوزة العلمية وفي قم المقدسة يرفع الصوت عالياً إلى جانب أعلى صوتٍ وأقوى موقفٍ في مسألة اليمن عبّر عنه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي (دام ظله الشريف) وعددٌ من مراجعنا العظام؛ وليقول صوتكم للشعب اليمني الصامد والمجاهد والمقاوم والمظلوم أننا معك: نؤمن بحقك وندعم صمودك وجاهزون لنصرتك بما نستطيع.

أيها السادة من جملة مظاهر هذه الحرب التضليل الهائل لشعوب العالم والتزييف المكشوف للوقائع والحقائق. فقد سخّرت السعودية ومن معها في سبيل ذلك أضخم ماكينة إعلامية في العالم من فضائيات وإذاعات وصحف ومواقع إنترنت ومنابر وعلماء وسياسيين ومحللين وحكومات وكتّاب. إنَّ هذه الحملة الإعلامية المضللة حوّلت السعودية الظالم الغازي المعتدي الآثم المستبد الديكتاتور إلى مظلومٍ يدفع الخطر عن نفسه وعن الحرمين الشريفين بادعائه. ويدافع بادعائه عن شعب اليمن ويريد العدالة والديمقراطية والشرعية الانتخابية في اليمن ؛ وهو لا يملك شيئاً من هذا في السعودية.

إنَّ هذه الحملة الإعلامية أيضاً حوّلت اليمني المظلوم المدافع عن عرضه وشرفه وسيادته وحريته وشعبه إلى مجرمٍ قاتلٍ سفّاكٍ مرتكبٍ للمجازر وعميلٍ أيضاً لدولةٍ أجنبية. الوقاحة وصلت بالسعودية وإعلامها وإعلام من معها أن تدّعي حماية الشعب اليمني وهي تقتل النساء والأطفال والصغار والكبار وتسحق عظامهم. الوقاحة وصلت أن تدّعي أنها تحافظ على اليمن وهي تدمر كل ما في اليمن من تاريخٍ وحضارةٍ وبنيةٍ تحتيةٍ ومقومات حياة وأن تدّعي أنها تريد تحقيق إرادة الشعب اليمني. وهي لن تبقي شعباً يمنياً لتبقى له إرادة من خلال مجازرها وحربها العشوائية المدمرة. وهي تفعل ما تريد.

أيها السادة العلماء: أنا أريد أن أقول لكم بصدقٍ ما هي مشكلة السعودية مع اليمن لنفهم خلفية هذه الحرب. مشكلتها مع اليمن كمشكلتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران منذ تأسيسها على يد القائد العظيم الإمام الخميني (قدس سره الشريف). النظام السعودي؛ نظام آل سعود لا يستطيع أن يتحمل في جواره دولة تملك بعض المميزات التالية: يعني دولة يختار شعبها قادته بملء إرادتهم وحريتهم عبر الانتخابات المباشرة وغير المباشرة ؛ دولة يحصل فيها أو يجري فيها تداول للسلطة بين قادة وشخصيات وأحزاب وتيارات سياسية متنوعة ولا تحكمها عائلةٌ تتوارث الملك وتسيطر على المواقع الأساسية في البلاد وفي الدولة دولة مؤسساتٍ حقيقية دولة؛ دستور وقانون ونظام وضوابط يخضع لها الجميع. دولة تملك قضاءً مستقلاً يحاسب الناهبين والسارقين والمعتدين على المال العام. دولة تحمل اسم الإسلام وتطبق الإسلام حقيقةً. دولةٌ قويةٌ مستقلةٌ تحمي حدودها ومصالحها ولا تخضع لهم ولا لأسيادهم الأميركيين إلى مميزاتٍ أخرى.

مشكلة السعودية مع إيران؛ مع الجمهورية الإسلامية في إيران، هي هذه منذ البداية. والآن نشاهد في اليمن نفس المشكلة. الآن تشاهد السعودية في اليمن أنَّ الشعب اليمني يرفض الخضوع لها للسعودية ولأمريكا ويريد استقلاله وسيادته وحريته، وأن يحكمه من يختارهم هو بملء إرادته عبر الانتخابات وليس من يختارهم له آل سعود والأميركيون. ويريد أن يستفيد من خيراته ونفطه وثرواته الطبيعية دون قيودٍ خارجية. ويريد أن يكون الشعب اليمني جزءاً فاعلاً في أمته الإسلامية وفي خدمة قضاياها الأساسية وخصوصاً فلسطين. ولأنه ممنوعٌ عليه كل ذلك من قبل السعودية وأميركا، ولأنهم عجزوا عن محاربة هذا الشعب داخلياً ــ في داخل اليمن ــ شنوا عليه هذه الحرب العدوانية بشعاراتٍ كاذبةٍ ومخادعة.

أيها السادة الأفاضل: أنا أؤكد لكم اليوم أنَّ الشعب اليمني ومع جيشه الباسل ومجاهديه الأبطال في اللجان الشعبية صامدٌ بقوة وعازمٌ على الانتصار وعلى إلحاق الهزيمة بالمعتدين مهما بلغت التضحيات. وأنَّ لدى هذا الشعب من الحكمة والوعي والإيمان والعزم والإرادة والفهم ما يجعله يفهم تماماً حقيقة العدوان وما يجعله أيضاً يلحق الهزيمة بهذا العدوان. وأنَّ لديه قادةً واعين ومخلصين وشجعاناً أثبتت كل التجارب الماضية أنهم جديرون بتحمّل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة.

أيها السادة الأفاضل: إنَّ ما يحتاجه اليمن وشعبه اليوم، هو الدعم الصادق بكل أشكاله وأنواعه: بحاجةٍ إلى قول الحقيقة للعالم عما يجري من عدوان بسبب التضليل الإعلامي الهائل الشعب اليمني؛ بحاجةٍ إلى الدعم السياسي والدبلوماسي في الساحة الدولية حتى لا تُفرض عليه حلولٌ لا تنسجم مع مصالحه وتضحياته الجسام. الشعب اليمني بحاجةٍ إلى الدعم الإنساني لكسر الحصار الظالم عليه وإيصال المساعدات الطبية والغذائية والإنسانية إليه. الشعب اليمني بحاجةٍ إلى تضامن العلماء والشعوب في العالم الإسلامي وعلى امتداد العالم كي لا يشعر بالغربة والمظلومية. أكثر الشعب اليمني بحاجةٍ إلى دعاء المؤمنين والصالحين وتوسلاتهم إلى الله تعالى كي يمدهم بالثبات والعون والنصر.

أيها السادة الكرام: هذه الحرب السعودية الأميركية على اليمن ستكون وستشكّل عاملاً قوياً جداً في رسم الصورة المستقبلية للمنطقة؛ إما بما يخدم مصالح الاستكبار العالمي والطواغيت، أو بما يخدم مصالح شعوب المنطقة وينسجم مع رغباتهم وإراداتهم. ولذلك هذه الحرب يجب أن تعنينا جميعاً سواءً من خلال المنطلقات والمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية والأخوية، أو من خلال المصير الذي ستواجهه جميع شعوب المنطقة على ضوء نتائج هذه الحرب.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لتحمّل المسؤولية في هذه المرحلة الصعبة، وأن ينصر شعب اليمن نصراً عزيزاً عاجلاً قريباً. وأن يحفظ الجمهورية الإسلامية في إيران والتي باتت تشكّل السند الحقيقي الوحيد لمستضعفي هذا العالم، وأن يمد في العمر الشريف لإمام الأمة ووليها الناصح والحكيم سماحة الإمام السيد الخامنئي دام ظله الشريف وأن يحفظكم جميعاً .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

2015-06-13