يتم التحميل...

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في المؤتمر الثاني للتجديد والاجتهاد الفكري

2015

في الأيام القليلة الماضية حصلت إنجازات كبيرة في القلمون، وخصوصاً مع انجازات صباح اليوم، أستطيع أن أقول : القمم العالية والجبال الشامخة، والبعض يقول الجبال الحاكمة، أصبحت كلها تحت سيطرة الجيش العربي السوري ومجاهدي المقاومة، وأصبحت لديهم السيطرة المطلوبة والكافية بالنار على مختلف بقية الجرود من تلك الجهة.

عدد الزوار: 15

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في المؤتمر الثاني للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (دام ظله) 10-6-2015

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته:

أولاً: أشكر للأخ العزيز سماحة الشيخ ماهر هذه المحبة وهذه القطعة الأدبية الرائعة.شكراً..

أرحب بالأخوة والأخوات جميعاً في هذا اللقاء الطيب والمبارك وفي كلمتي التي هي كلمة افتتاح من طبيعة اللقاء والمؤتمر أنا لن أتطرق إلى الموضوعات السياسية في المنطقة وإنما سأتحدث بما يرتبط بالشخصية المركزية لهذا المؤتمر ولكن من خارج السياق في أخر الكلمة في دقائق قليلة أقف عند التطور الأخير الذي حصل عند الحدود بالأمس. دقائق قليلة في أخر الكلام.

يشرفني أن أكون معكم اليوم في افتتاح المؤتمر الثاني للتجديد والاجتهاد الفكري عند سماحة الإمام الخامنئي(دام ظله) تحت عنوان " استراتيجيات الثقافة الإسلامية في عالم اليوم".

في الحقيقة سماحة الإمام الخامنئي(دام ظله) هو شخصية متعددة الأبعاد. وفي الواقع الحالي، هو يشغل مواقع كبرى ومهمة ومتقدمة في ما يعني الإسلام والأمة. اسمحوا لي من باب الدخول إلى الموضوع أيضاً، أن أذكر بعض هذه المواقع وليس كلها.

أولاً، مرجع التقليد: فسماحة الإمام الخامنئي كما هو معروف، هو مرجع تقليد يرجع إليه ملايين المسلمين في العالم في معرفة الأحكام الشرعية: الفرعية، الفقهية، التفصيلية، ويعملون طبق فتاواه في مختلف المسائل العبادية والحياتية.

هذا الموقع ــ يعني مرجع التقليد ــ يستلزم أن يكون سماحته فقيهاً في أعلى درجات الفقاهة؛ حيث يشترط في مرجع التقليد أن يكون الأعلم بحسب مشهور فتوى الفقهاء؛ أن يكون الأعلم بين فقهاء عصره الأحياء. أو في الحد الأدنى أن يكون واحداً من محتملي الأعلمية، إضافة إلى شروط العدالة وغيرها في مرجع التقليد. وكونه على درجة عالية من الفقاهة، تتضمن أيضاً امتلاكه لإحاطة علمية واسعة وعميقة بمجموعة من العلوم ذات الصلة بالاجتهاد الفقهي: كالأصول والحديث والرجال وعلوم اللغة العربية وغيرها. هذا الجانب، يمكن أن نتعرف عليه من خلال فتاواه الشرعية المنشورة. وكذلك من خلال دروسه الفقهية في بحث الخارج التي يلقيها على طلابه منذ ما يقارب العشرين عاماً أو يزيد. ومن خلال مناقشاته العميقة مع العلماء والفقهاء الآخرين في مختلف المسائل. وخصوصاً في مسائل الدولة ،وما نسميه بالمسائل المستحدثة.المسائل التي هي موضع ابتلاء مستجد بسبب تطورات العصر ولم يتعرض إليها الفقهاء السابقون. إذاً، هذا جانب.

هذا بحد ذاته ــ يعني موقع مرجع التقليد ومرجعية التقليد ــ هي مسألة مهمة وعلى درجة عالية من الحساسية، وتحتاج إلى جهد علمي وفقهي وفكري كبير وعميق.

الموقع الثاني الذي يشغله سماحة الإمام القائد، هو موقع القائد. قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، الولي الفقيه، ولي أمر المسلمين؛ أي اسم تسمونه. المضمون واحد؛ القائد: ولي الأمر.

هذا الموقع أيضاً يستلزم إضافة إلى شروط الفقاهة والعدالة والتقوى وغيرها؛ يتطلب ويستلزم شرط الكفاءة والشجاعة. الكفاءة القيادية: الكفاءة في قيادة الدولة ــ هو قائد دولة. والكفاءة في قيادة أمة، لأنه ولي أمر أمة. وهذه الكفاءة تحتاج لتصبح حاضرة ومنجزة، إلى وعي تاريخي كبير، إلى وعي سياسي كبير؛إلى معرفة سياسية واسعة، إلى تجربة اجتماعية وسياسية وحياتية أيضاً متنوعة. إلى قدرة على تشخيص المصالح والمفاسد ومعرفة العدو والصديق، وكشف المؤامرات وتحديد ومعرفة التهديدات والفرص؛ للاستفادة من الفرص ومواجهة التهديدات. وإلى قدرة إدارية عالية أيضاً ، لأن هذا الموقع يتطلب منه تحديد المسؤوليات وتوزيعها وجمع الطاقات والاستفادة منها بشكل صحيح. إضافة إلى تحمل الأعباء والضغوط الهائلة التي تنوء تحتها الجبال.

سماحة الإمام الخامنئي يتحمل هذه المسؤولية الخطيرة منذ رحيل الإمام الخميني (قدس سره الشريف)، وعلى أحسن وجه. وقاد الجمهورية الإسلامية وشرائح كبيرة في هذه الأمة وفي أصعب الظروف والمراحل التاريخية. يعني، نرى خلال خمس وعشرين سنة، تحولات موجودة في المنطقة والعالم : التهديدات التي يوجهوها للإسلام والأمة الإسلامية عموماً، والجمهورية الإسلامية في إيران خصوصاً. حجم المؤامرات، الصعوبات، العقوبات؛ كل هذا، وسماحة الإمام الخامنئي كان يواجه هذه التهديدات ويتمكن من تحويل أغلب هذه التهديدات إلى فرص. إلى أن أصبحت إيران اليوم قوة إقليمية عظمى في المنطقة يعترف بها العالم ويحسب لها الصديق والعدو كل حساب. وأصبحت شعباً ودولة ومجتمعاً، تمشي مجدّةً في طريق التطور والتقدم على كل صعيد: التجربة السياسية، على المستوى العلمي، على المستوى المعرفي، على المستوى التكنولوجي، على المستوى الصناعي، على المستوى الاقتصادي؛ على كل المستويات الأخرى.

هذا الجانب من شخصيته كقائد ــ يعني هذا الموقع؛ القائد ــ نعرفه من خلال سيرته القيادية، وأداءه وعمله. وكذلك من خلال خطبه ومواقفه وإرشاداته وبياناته، التي واكبت وتواكب جميع الأحداث والتطورات في إيران والمنطقة والعالم.

ما نحتاجه نحن، هو المواكبة والاستماع والتزود. طبعاً، يجب الالتفات هنا إلى الحصار الإعلامي القوي والشديد من قبل الإعلام الغربي ومن قبل الإعلام العربي. منذ زمن بعيد؛ منذ تولي الإمام الخامنئي للقيادة هناك حصار إعلامي غريب وقديم، وما زال مستمراً حتى الآن. وهذا واضح. ولذلك نجد أن خطب وبيانات ومواقف سماحة الإمام الخامنئي في القضايا المختلفة، مع أنه يمثل موقع القائد في الجمهورية الإسلامية ــ القوة الإقليمية الأولى في المنطقة ــ يتم التغافل عنها. وإذا قامت أحياناً بعض وسائل الإعلام بالتعرض لها، فإنما بشكل مجتزأ ومقتطع ومحرّف ومشوه.

الموقع الثالث ــ وهو الذي نريد أن نتحدث عنه ــ هو موقع المفكر الإسلامي الكبير. المفكر الإسلامي الكبير: هذا الجانب هو بحاجة إلى تعريف أكثر. الموقع الأول واضح: مرجع تقليد، وله ملايين المقلدين. وهو من أكبر مراجع التقليد. قائد: هو قائد يملأ بمواقفه وأداءه وسيرته المنطقة ويشغل العالم.

هذا الجانب ــ جانب المفكر الإسلامي ــ هو الذي يحتاج إلى المزيد من الإضاءة والجهد. طبعاً،لأجلنا وليس لأجله هو.

سماحة الإمام الخامنئي(دام ظله)، منذ بداية تحصيله العلمي ــ يعني منذ شبابه ــ كان لديه اهتمام فكري وثقافي واسع. وكان لديه جهد كبير على المستوى العلمي والثقافي والفكري من خلال المتابعة والمطالعة خارج دائرة العلوم الحوزوية. عادة، نحن نذهب إلى الحوزة وأولويتنا هي العلوم الحوزوية التي ندرسها. لكن سماحته منذ البداية كان له اهتمام واسع ومتنوع في قراءة التاريخ والسيرة والأدب والشعر والمفاهيم والروايات لشتى كتّاب روايات من العالم. وسواء في إطار الثقافة الإسلامية الشيعية الخاصة أو في إطار الثقافة الإسلامية العامة. ولذلك معرفة سماحة الإمام الخامنئي بعلماء أهل السنة، وبكتبهم ومؤلفاتهم وتحقيقاتهم هي معرفة واسعة وعميقة جداً. وأيضا على مستوى الثقافة الإنسانية والثقافة الأخرى؛ الموضوع لم يقتصر على الثقافة الإسلامية، سواء كانت شرقية أو غربية. بعض الإخوة نقلوا لي من الإخوة الباكستانيين والهنود ؛ كانوا يقولون لي: عندما نجلس مع سماحة السيد القائد ونتحدث عن منطقتنا نشعر أنه يعرف أكثر منا في ثقافات شبه القارة الهندية وأدبياتها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها وشخصياتها؛ ليس الشخصيات السياسية: الملوك والأمراء وقادة الجيوش؛ بل الفلاسفة، العرفاء، الأدباء ، الشعراء. وهذا طبعاً أمر بدأ معه مبكراً. وسماحته لم ينقطع عن هذا الاهتمام والمتابعة حتى اليوم رغم الانشغالات الهائلة.

هذا المستوى من الاهتمام الثقافي الواسع والعريض والمتنوع، قلّ ما نجده عند علماء الدين عموماً. مثلاً؛ هذه العناية الخاصة من قبل سماحته بالحضور في كل سنة في معرض الكتاب في طهران، ويمضي ساعات في المعرض . هذه السنة مثلاً، ساعات عديدة ويدخل من غرفة إلى غرفة، من دار نشر إلى دار نشر: يسأل عن الكتب، يسأل عن الجديد من الكتب، عن الموضوعات الجديدة التي يتم معالجتها، عن مستوى المبيعات، عن المؤلفين، عن بعضهم؛ أحياء أم أموات. يتابع هذه التفاصيل التي تفاجئ وتذهل جميع الحاضرين.

لا يوجد زعيم في العالم الآن ــ لا أتصور؛ على حد معلوماتي لا يوجد زعيم في العالم ــ يعطي ساعات من وقته في مسألة من هذا النوع أنه: كل سنة يريد أن يذهب إلى معرض الكتاب ويتفحص الأمور بهذا التفصيل. هذا طبعاً ليس أمراً استعراضياً، وإنما هو مؤشر ومحفز من قبل سماحة السيد القائد للأمة وللأجيال وللشباب في هذا الاتجاه: الاهتمام بالمعرفة وبالثقافة وبالكتب وبالمطالعة.

يلتقي سماحته على مدار السنة ــ وأيضاً لساعات عديدة ــ مع شرائح مختلفة في الجانب الفكري والثقافي: علماء ومفكرين وفقهاء وأدباء وشعراء وفنانين؛ يعني سينما وتلفزيون وموسيقى وخطباء ومداحين وأساتذة جامعات وطلاب جامعات، ويستمع إليهم وإلى ملاحظاتهم. طبعاً التلفزيون الإيراني يبث أحياناً ساعات من هذه المناقشات التي تحصل. هم يقولون ما لديهم: الاهتمامات، المشاكل، المخاوف، الهواجس، التحديات، اقتراحات المعالجة؛ كله في الجانب الفكري والعلمي والمعرفي والثقافي، وسماحته يصغي إليهم ويسجل ملاحظات ويعلق ويعقب على ملاحظاتهم وآراءهم ويدلي بما عنده. وهذا يشمل مساحات واسعة جداً من القضايا الفكرية والثقافية والمعرفية. وأيضاً أستطيع هنا أن أقول بحسب معلوماتي: لا أعتقد أنه يوجد اليوم في هذا العالم، زعيم أو قائد مهما كان المستوى لديه ــ قائد دولة كبيرة أو قائد جماعة صغيرة ــ يعطي من وقته وفي موقع قيادي مهم يعطي من وقته ومن اهتمامه ومن عنايته هذا الجهد ولديه هذا التواصل المباشر وهذا الاستماع المباشر للمخاوف والهواجس والمشاكل التي تعاني منها هذه الشرائح، وهذه الأمة.

على كل حال، هناك عوامل عديدة لا شك أنها ساهمت وساعدت إلى جانب الجهد الشخصي لسماحة القائد، في أن يحتل أو أن يشغل موقع المفكر الإسلامي الكبير وبشكل استثنائي. منها على سبيل المثال، أولاً: موقعه القيادي؛ كونه قائد، موقعه القيادي يتيح له ــ لسماحته ــ الاطلاع الواسع بل الإحاطة العميقة بجميع القضايا الفكرية والمسائل الثقافية التي تعني البلد والأمة والشعوب وخصوصاً جيل الشباب من خلال مؤسسات الدولة ومراكز الأبحاث والدراسات ومؤسسات المعلومات ومن خلال التواصل المباشر مع كل من يرغب أن يتصل به أو يصغي إليه. هذا ــ موقع القيادة ــ يتيح له هذا الأمر.

أيضاً من جملة العوامل التي تجعل منه فقيهـا ومفكراً من نوعٍ آخر، هو كونه فقيهاً في أعلى درجات الفقاهة. هذا يجعله أيضاً مفكراً مميزاً. لأنَّ المفكر عندما يكون فقيهاً تتوفر لديه القدرة العليا على فهم النصوص الدينية. لديه كل المنهجية وكل الوسائل وكل الأدوات التي تمكنه من فهم النصوص الدينية بشكل صحيح وأصيل ونقي ومترابط وموضوعي ومتكامل.

عندما يكون المفكر في موضع الفقيه هذا، سوف يجعل أيضاً إمكانا العلمية والفكرية واستنتاجاته في كل المجالات ذات الطابع الفكري والثقافي استنتاجات أصيلة ونقية ومتماسكة. ببساطة، لمن يتابع، لمن يطالع كتب سماحته المطبوعة ويتابع خطبه؛ خصوصاً في لقاءاته ذا ت الطابع الثقافي يمكنه أن يكتشف بسرعة وببساطة، أنه أمام مفكرٍ إسلاميٍ كبيرٍ أصيلٍ ومبدعٍ ومجدد: يطرح أفكاراً جديدة، ويقدّم معالجات ومقاربات غير مسبوقة في شتى قضايا الفكر المعاصرة. من أهم مميزاته كمفكرٍ وفقيه، هذه الأصالة والاستقلالية الشخصية. يعني هو ليس مقلداً في الاجتهاد الفقهي. عادةً الطلاب حتى لو صاروا مجتهدين يبقون متأثرين بأساتذتهم ويمشون خلف أساتذتهم. وأحياناً يتهيبون أن يخالفوا أساتذتهم في الفتوى أو في الاستنتاجات.

هذه الأصالة وهذه الاستقلالية وعدم الخضوع للضغوط الفكرية والنفسية والأجواء العامة التي تسوق المثقفين أحياناً إلى أوضاعٍ يضطرون فيها إلى صياغة المفاهيم الإسلامية بطريقةٍ ممالئة أو خاضعة لهذه الضغوط المستجدة. مثلاً بمرحلة من المراحل في العقود الماضية أمام المد الماركسي الهائل ــ الفكر الماركسي كان يتقدم في كل العالم الإسلامي ــ بعض المفكرين المسلمين وبعض المثقفين المسلمين وحتى بعض علماء الدين نتيجة أنهم خضعوا لهذه الضغوط راح يبحث كيف يتعايش ويتلاءم، ويقدّم صياغة للإسلام منسجمة مع هذا المد الماركسي. وظهرت نظريات تتحدث عن الاشتراكية في الإسلام، وتصف مثلاً الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري بأنه كان اشتراكياً أو الاشتراكي الأول في الإسلام.

هذا نتيجة الخضوع؛ نتيجة سيطرة الأجواء الفكرية والهجمة الثقافية والفكرية والتضعضع في الساحة والتراجع. مثلاً، في مرحلة من المراحل حاول البعض تقديم الإسلام على أنه في أصله فكرا رأسماليا. هذا حصل في قضايا من نوع قضايا الدولة، قضايا الحريات العامة، قضايا المرأة، قضايا الأسرة، قضايا العلاقات الزوجية، العلاقات الدولية، قضايا الاقتصاد، قضايا الحرب والسلم. الإسلام له رؤية وله موقف وله أحكام وله أيديولوجية ومذهب واضح؛ مذهب إسلامي واضح بحسب المصطلح. لكن أحياناً أيضاً، نتيجة الضغوط الموجودة اليوم، وخصوصاً في ظل هذه الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ووصول الكلمة والصوت إلى أوسع مديات الشعوب والعالم، نجد أن كثيرين أخذوا يصيغون الإسلام؛ ويعيدون معالجة بعض الأفكار وبعض المبادىء وبعض الأسس بما ينسجم مع الطروحات الحديثة وبما يمس أساسيات. بل وصل البعض إلى حد إنكار أساسيات في الإسلام.

الآن لا أريد أن أضرب أمثلة كي لا أكشف هوية هؤلاء؛ إلى حد إنكار أساسيات في الإسلام وبعضها مما أجمع عليه المسلمون طوال التاريخ بسبب هذا الضغط الإعلامي والفكري والثقافي وهذا الضخ الهائل. فأحياناً نتيجة الوهن فينا ــ الوهن ليس في الإسلام.

الإسلام متماسك وقوي ومتين ودين الله الذي لا يأتيه الباطل من أي جانب من جوانبه، ولكن نحن البشر الذين نحمل أو نفهم أو ندافع عن هذا الإسلام أو نقدّم هذا الإسلام ــ أحياناً نواجه مشكلة خلل عندنا في شجاعتنا أو في قدرتنا الفكرية والثقافية. سماحة القائد (حفظه الله) من خلال مراجعة نصوصه ودروسه وأبحاثه ؛ من الواضح أنه في هذا المجال هو أصيل ومتين واستقلالي وشجاع ولا يخضع لأي هيمنة ولا لأي قداسة حتى قداسة العلماء الكبار والفقهاء العظام أو الفلاسفة الكبار فضلاً عن الهجمات الإعلامية والفكرية والثقافية التي تشن من هنا وهناك في العالم.

على كلٍ أنا أحببت أن أضيء على هذه الجوانب لأقول: نحن نحتاج إلى معرفة سماحة الإمام الخامنئي أكثر وإلى التعريف به أكثر؛ من أجلنا وليس من أجله. أيها الإخوة والأخوات: كما يحتاج الناس في هذا الزمن وفي كل زمن، إلى مرجعٍ للتقليد لمعرفة الحلال والحرام ومعرفة صلاتهم وصومهم وعبادتهم وزواجهم وطلاقهم وأرثهم وبيعهم وشرائهم إلخ. كما تحتاج الأمة إلى قائد يقودها في مواجهة كل هذه المحاور الدولية وكل هذه التهديدات والمؤامرات، كذلك الناس والأمة يحتاجون إلى مفكرين إسلاميين كبار يواكبون العصر. ولذلك من مضى لا يستطيع أن يحل مشاكلنا المعاصرة. من مضى من علمائنا الكبار ومن مفكرينا العظام ومن فلاسفتنا وعرفائنا ومحققينا، حتى ما لدينا من كتبهم ومن تراثهم وهو كبيرٌ ومقدر، لكن هو عالج ويعالج مسائل مستمرة أو مسائل كانت تختص بذاك الزمن أما دائماً.

كما نحتاج نحن إلى مرجع التقليد الحي كما نحتاج إلى القائد الحي نحتاج إلى المفكر الإسلامي الحي لمواجهة التحديات القائمة والموجودة؛ خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تواجه فيها أمتنا تحديات تاريخية ومصيرية ووجودية. ولا يخفى أنَّ العوامل الفكرية والثقافية هي أساسية وحاسمة في المعركة القائمة حالياً والصراع الدائر حالياً.

لا يمكن الإكتفاء في معالجة الأخطار والتهديدات القائمة ومنها المشروع التكفيري وموجة التكفير واستغلال قوى الاستكبار لموجة التكفير والقوى التكفيرية في الأمة؛ لا يكفي المعالجة السياسية أو الأمنية أو العسكرية أو حتى الاقتصادية لأن الموضوع الأساسي هو موضوع فكري وموضوع ثقافي.

أنظروا إلى خطابهم أنظروا إلى برامجهم أنظروا إلى شعاراتهم أنظروا إلى أداءهم : جماعة لا يتحدثون عن احتلال الصهاينة لفلسطين؛ عن سيطرة الاستكبار على مقدسات وموارد وخيرات هذه الأمة، ولا عن حرية الشعوب، ولا عن إرادة الشعوب، ولا عن السيادة الشعبية. عندهم فكرة معينة يريدون أن يفرضوها على كل شعوب هذه المنطقة؛ معتبرين أنها الأولوية المطلقة. فهمهم، تفسيرهم، اجتهادهم ــ هم ليسوا مجتهدين على كل حال ــ ويريدون أن يفرضوا هذا الفهم وهذا التفسير بقوة السلاح وبالدم وبالذبح وبالقتل على المسلمين وعلى غير المسلمين.

هذا التحدي لا يواجه فقط بالسياسة وبالسلاح وبالقتال وبالإعلام وبالاقتصاد، وإنما هو بحاجة إلى هذه المواجهة الفكرية. للأسف الشديد النبوات في التاريخ ورسالات الأنبياء ونبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموضوع الفكري والثقافي ــ إذا أردنا أن نتكلم بلغة الهجوم والدفاع ــ كانت هجومية دائماً. الآخرون هم في موقع الدفاع؛ الآخرون يحتاجون أن يدافعوا عن أصنامهم وعن أوثانهم وعن أفكارهم وعن عاداتهم البالية وتقاليدهم السخيفة وعن ثقافتهم المتردية.

كانت يد الأنبياء هي العليا وصوتهم هو الأعلى دائماً. لأنَّ معهم كلمة الله سبحانه وتعالى. يعني بمنطق الهجوم والدفاع كان دائماً الدين الإلهي كان هجومياً. الإسلام كان هجومياً. للأسف الشديد، اليوم بدل أن نكون في الموقع الذي نتقدّم فيه في العالم ــ نقدّم الإسلام للعالم ــ الظروف والأحداث والمؤامرات مؤامرات الأعداء ووهن الأمة وتمزقها، نقلنا إلى موقع الدفاع حتى عن الإسلام؛ حتى عن الإسلام كفكر.

لذلك نحتاج اليوم إلى جهود كبيرة لندافع عن الإسلام؛ لنقول الإسلام هكذا وليس هكذا. الإسلام هذا رأيه وليس هذا رأيه. وندافع عن الحيثيات والمباني والآراء والنظريات والأحكام.

وأيضاً، مما ساعد على نقل الأمة إلى هذا الموقع ــ وحتى نقل علماء إلى هذا الموقع ــ هو هذه السلوكيات المنحرفة والظالمة والمتوحشة التي تجري اليوم باسم الإسلام. في كل الأحوال نحن يجب أن نقدّم سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) مفكراً إسلامياً كبيراً لكل المسلمين وكمفكرٍ إنساني كبير لكل شعوب العالم .

أولاً، للمسلمين وللحركات الإسلامية نقول: اقرؤوا فكره بمعزلٍ عن الاختلاف معه في مسألة الإمامة لأنه شيعي إمامي أو في مسألة ولاية الفقيه حيث هناك مساحة فكرية إسلامية واسعة جداً ومشتركة ومهمة في الفكر الإسلامي بين المذاهب الإسلامية المختلفة نحتاج فيها إلى مثل هذا العقل القوي والمنتج والمبدع.مثلاً ــ من باب التأكيد على هذه الفكرة ــ في العقود السابقة عندما تصدى سماحة الإمام الشهيد المفكّر السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله تعالى عليه) قام يناقش الماركسية والرأسمالية وألّف في المجال الفلسفي كتاب فلسفتنا وفي المجال الاقتصادي كتاب اقتصادنا وفي مجال موضوع البنوك البنك اللاربوي في الإسلام.

حسنا، هذه الكتب الثلاثة هل استفاد منها الشيعة فقط، أم أنها كانت كتباً للمسلمين جميعاً؛ لكل الحركات الإسلامية، لكل المذاهب الإسلامية، لكل الجامعات ومراكز العلم الإسلامي؟ وحتى الآن لم يكتب في الماركسية والرأسمالية في الجانب الفلسفي والاقتصادي كفلسفتنا واقتصادنا. وحتى الآن ما زالت البنوك الإسلامية في العالم الإسلامي سنيّةً كانت أو شيعية مرجعيتها الأساسية هي كتاب البنك اللاربوي في الإسلام.

إذاً هناك إنتاج فكري عميق وقوي قدّمه الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله تعالى عليه) وأخذه المسلمون جميعاً بمعزل عن اختلافهم معه في قضية الإمامة أو في أي فكرةٍ إسلامية أو عقيدةٍ إسلاميةٍ أخرى. ما أدعو إليه المسلمين اليوم والحركات الإسلامية اليوم، هو الاستفادة من هذا المفكّر الإسلامي الكبير وخصوصاً في هذا الزمن الذي بات فيه هؤلاء المفكرون سواءً في الدائرة السنيّة أو الدائرة الشيعية قليلي العدد جداً.

وأيضاً، بالنسبة لغير المسلمين: اقرؤوا هذا الرجل وما لديه من مساحةٍ فكريةٍ إنسانيةٍ واسعةٍ ومهمةٍ في إطلالته على قضايا العصر وتحديات الشباب، ولا يكون الاختلاف والانتماء الديني سبباً لهذا الحرمان. هذا ما أحببت قوله. وأنا لم أكن أرغب في ذلك حتى هذا الوقت. ولكن بطبيعة الحال، الكلام استدعى بعضه بعضاً. أرجو أن يوفّق مؤتمركم الثاني هذا لبذل المزيد من الجهد والإضاءة على فكر وعطاء هذا الإمام الحكيم والعظيم.

الذي أريد أن أتكلم عنه في دقائق هو الشيء المستجدات الأخيرة في القلمون وجرود عرسال طبعاً.


في الأيام القليلة الماضية حصلت إنجازات كبيرة في القلمون، وخصوصاً مع انجازات صباح اليوم، أستطيع أن أقول : القمم العالية والجبال الشامخة، والبعض يقول الجبال الحاكمة، أصبحت كلها تحت سيطرة الجيش العربي السوري ومجاهدي المقاومة، وأصبحت لديهم السيطرة المطلوبة والكافية بالنار على مختلف بقية الجرود من تلك الجهة.

في جرود عرسال، حصل في الأيام الماضية هذا التقدم الكبير، ولحقت هزيمة حقيقية ونكراء بجبهة النصرة. هناك بعض الناس في لبنان يحاولون مساعدة جبهة النصرة معنوياً، نفسياً، إعلامياً، يستنهضونها، ولكن انتهى الموضوع، هذا المسار مستمر.

التطور المهم هو بدء المعركة والمواجهة مع داعش، ولا بأس أنهم هم الذين بدأونا بالقتال، فهذا بالنسبة لنا ـ يمكن أن يعطيه بعض الناس من الناحية العسكرية قيمة ما ـ نحن، لا، حتى على المستوى النفسي والمعنوي والديني، أن تبدأنا جماعة بقتال أفضل لنا من أن نبدأها نحن بقتال. هذا الأمر يفهمه رجال الدين خصوصاً والمتابعون في الموضوع الفقهي والثقافي يعرفونه.

هم بالأمس هاجموا بمئات المقاتلين وعدد كبير من الآليات العسكرة عدة مواقع لإخواننا في جرود رأس بعلبك عند الحدود اللبنانية ـ السورية. يعني هم لم يهاجموا من جهة عرسال ومن جهة القلمون في الجبهة المفتوحة، يمكن أن يكونوا قد افترضوا أن هذه الجبهة هادئة، نائمة، فيمكن أن يستفيدوا من عنصر المفاجأة أو الغفلة ويحققوا انجازاً معنوياً كبيراً، أن يحتلوا مواقعنا ويسيطروا عليها، ويسيطروا بالتالي على مواقع حساسة جداً ومؤثرة بالنسبة للحدود اللبنانية - السورية، وخصوصاً بالنسبة لبلدتي القاع ورأس بعلبك، وأيضاً التوسع في المنطقة ووصل بعض المناطق ببعضها البعض.

الهجوم بالأمس كان له استهدافات عديدة، سواءً على المستوى النفسي، المعنوي، الإعلامي أو على المستوى العسكري والميداني والتواجد في الميدان.

الإخوة المقاومون تصدوا بكل شجاعة وبسالة، أوقعوا عشرات المسلحين ـ ليست مسؤوليتي أن أقول أرقاماً بالدقة وإنما تتابع من خلال وسائل الإعلام ـ من داعش، قتلى وجرحى ودمروا عدداً من آلياتهم وعادوا (الإرهابيون) خائبين مهزومين مخلّفين عدداً من قتلاهم في أرض المعركة.

بطبيعة الحال، المقاومة وهي تقاتل في أشرس المعارك، قدمت عدداً من مجاهديها شهداء أعزاء في هذه المعركة المظفرة، الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّلهم وأن يلهم عائلاتهم الصبر والسلوان وأن يجعلهم لعائلاتهم ولنا جميعاً شرفاً وكرامةً وعزاّ وذخراً في الدنيا وفي الآخرة.

ما أريد أن أقوله: أن المعركة مع داعش في القلمون قد بدأت وفي السلسلة الشرقية والحدود اللبنانية السورية. هم بدأونا بالقتال. لا مشكلة، لكن نحن سنواصل هذه المعركة.

نحن مصمون على إنهاء هذا الوجود الإرهابي التكفيري الخبيث عند حدودنا، مهما غلت التضحيات.

هذا بالنسبة لنا أمر محسوم.

حدة المعارك، حجم التضحيات، التوهين الإعلامي، التواطؤ الإعلامي، الضغط الذي يحصل هنا وهناك، ما تسمعونه من هنا وهناك، ليس جديداً ما أقوله لكم، وإنما للتأكيد: في كل يوم، ومع كل شهيد يرتفع إلى ملكوت الله سبحانه وتعالى، نحن نؤكد عزمنا وتصميمنا وإرادتنا الحازمة والقاطعة في أننا لن نقبل بعد اليوم ببقاء أي إرهابي أو تكفيري في حدودنا وجرودنا وعلىى مقربة من قرانا.

وأنا أؤكد لكم أن الهزيمة ستلحق بهؤلاء. المسألة هي مسألة وقت. ونحن، كما قلت في أكثر من مناسبة، لسنا مستعجلين، نحن نعمل بالهدوء المطلوب لنحقق هذا الهدف وهذه الغاية. عندما يمتلك أحدنا أو بعضنا الإرادة والعزم والحزم، وأيضاً يملك القدرة والتوكل والثقة، ولديه مثل هؤلاء المجاهدين الأبطال، بالتأكيد لا يجوز أن تتطلع عيناه إلا إلى النصر الآتي.

2015-06-12