يتم التحميل...

وصيّته إلى المستفتين

العلامة الحلي

وأوصي المستفتين أن لا يستفتوا من العلماء من هجيراه1 المراء وأصحابه الملوك والأمراء، فهم جفاء وأمرهم جفاء2 وأفئدتهم هواء، وصدورهم خواء،..

عدد الزوار: 10

وأوصي المستفتين أن لا يستفتوا من العلماء من هجيراه1 المراء وأصحابه الملوك والأمراء، فهم جفاء وأمرهم جفاء2 وأفئدتهم هواء، وصدورهم خواء، وعقولهم هباء، وهم الّذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا، وهم قطاع طريق الدين، والمضلّون للمستهدين، المغوون للمسترشدين، إنّما يعنون بما يملأ بطونهم، أو يصلح لدى الأمراء شؤونهم. فربما عرفوا الحقّ وغمضوا عنه عيونهم. وربما اشتبه عليهم الباطل وتصوّر بصورة الحقّ دونهم3.

مؤلّف الوصيّة وولده وشارحها

صاحب هذه الوصيّة هو: الحسن بن يوسف بن عليّ بن مُطَهَّر، أبو منصور الحلّي مولداً ومسكناً.
ولقبه: جمال الدين، وآية الله - على الإطلاق -، أو علّامة الدهر، والإمام، والفاضل.
ولد رضوان الله تعالى عليه في شهر رمضان سنة 648هـ، وتوفّي في ليلة السبت أو يومه من شهر محرّم الحرام سنة 726 هـ، في مدينة الحلّة وحمل نعشه الشريف إلى مدينة النجف الأشرف ودفن في جوار أمير المؤمنين عليه السلام.

نشأ العلامة رضوان الله تعالى عليه بين أبوين صالحين رؤوفين، فتربّى في حضن والدته بنت الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي، وتحت رعاية والده الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهّر، وشارك في تربيته وتوجيهه وتعليمه مشاركة فعالة خاله المعظّم المحقّق الحلّي، فكان له بمنزلة الأب الشفيق من كثرة رعايته له والاهتمام به. فولد المولود المبارك في محيط علمي مملوء بالتقوى وصفاء القلب، وبين أسرتين علميّتين من أبرز أسر الحلّة علماً وتقوىً وإيماناً، وهما أسرة بني المطهر وأسرة بني سعيد. فحظى المولود الميمون برعاية خاصّة من قبل الأسرتين، وقد شاهدوا استعداده الكبير لتحصيل العلم والتقى، وذهنّيته الوقّادة،لذلك أحضروا له معلّماً خاصّاً ليعلمه القرآن والكتابة. وما أن تعلّم القراءة والكتابة حتّى شرع بدراسة العربية والأدب وما يحتاجه الطالب المبتدئ، ثمّ بدأ بدراسة الفقه والأصول والكلام والتفسير والعلوم العقلية والرياضية. ومرّت عليه سنون قليلة حتّى أصبح من التلاميذ المتفوّقين في الدرس، الّذين يشار لهم بالبنان. ثمّ شرع بالدرس حيث تخرّج على يده عدد غفير من العلماء. وفي عام 702هـ هاجر العلّامة إلى بغداد بطلب من السلطان غازان خان- محمود- حيث ناظر علماء العامّة بحضور السلطان وغلب عليهم، وأدّى ذلك إلى تشيّع السلطان وعدد كبير من الأمراء والوزراء وقادة الجيش.

وبقي العلّامة إلى عام 716هـ حيث توفّي السلطان محمد خدابنده فرجع العلّامة الحلّي إلى مدينة الحلّة، واشتغل فيها بالتدريس والتأليف وتربية العلماء وتقوية المذهب وإرشاد الناس. حتّى شُدّت إليه الرحال من كلّ جانب. ولم يخرج العلّامة من الحلّة منذ رجوعه إليها حتّى وفاته إلا إلى الحجّ الّذي كان في أواخر عمره الشريف، وبقي على هذه الوتيرة إلى أن وافاه الأجل.

وللعلّامة الحلّي (رضوان الله تعالى عليه) مؤلّفات كثيرة في شتّى صنوف العلوم، حتّى نستطيع أن نقول بأنّه لم يدع علماً إلا وألَّف فيه، ولا تكاد تخلو مكتبة من كتبه القيمة.وأمّا ولده فخر الدين محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي: فكان عالماً كبيراً ذا استعداد قويّ وأخلاق طيّبة وخصال محمودة، وفاضلاً محقّقاً فقيهاً ثقةً جليلاً، كما وصفوه، يروي عن أبيه العلّامة وغيره. وذكره الطهراني بأنّه من أجلّ تلاميذ والده المنتهية إليه سلسلة الإجازات. ويدلّ على شرفه وعظمته أن جلَّ مؤلّفات والده كُتبت بالتماسه، وأنّ والده طلب منه إكمال ما وجده ناقصاً، وإصلاح ما وجده خطأ.

وأمّا الشارح للوصيّة فهو: أبو الفضل بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني المشهور بـ (الفاضل الهندي) و(بهاء الدين) وكاشف اللثام.
ولد عام 1062 وتوفّي سنة 1137 هجرية على المشهور. كان من الشخصيات العلمية البارزة في العهد الصفوي الأخير. ويعدّ في عداد الفقهاء العظام لمذهب الإمامية في تلك الحقبة الزمنية. وبتأليفه كتاب "كشف اللثام عن قواعد الأحكام" رسخ موقعه كفقيه بارز في تاريخ الاجتهاد عند الشيعة.

كان الفاضل في أوّل شبابه قد سافر برفقة أبيه إلى الهند، وعند رجوعه اشتهر بالفاضل الهندي.
تعرف منزلة الفاضل الهندي العلمية وأوجها بعد النظر فيما خلفه وراءه من آثار علمية نفيسة. ويكفيه عظمة وفخراً أنّه شرع في التأليف والتحقيق قبل أوان البلوغ كما صرح بذلك في مقدّمة كشف اللثام، ومنذ ذلك الوقت اشتهر أنّه حاز على درجة الاجتهاد قبل بلوغه. وقد استشهد السيد حسن الصدر في أثناء كلامه حول حصول المرحوم السيّد صدر الدين العاملي على درجة الاجتهاد قبل سنّ البلوغ باجتهاد العلامة والفاضل الهندي كذلك فقال ما نصّه:"وحدّثني والدي أنّه استجاز السيّد صاحب الرياض في السنة العاشرة بعد المائتين والألف فأجازه وصرّح فيما كتبه من الإجازة أنّه مجتهد في الأحكام من قبل أربع سنوات، فيكون حصوله ملكة الاجتهاد له سنّ ثلاث عشرة من عمره، وهذا نظير ما يحكى عن العلّامة الحلّي والفاضل الهندي".

وباعتباره المجتهد المعروف كان واحداً من أكبر المتصدّين لمقام الإفتاء في أصفهان.
وكان الفاضل يعيش في غاية الفقر، وكان يتعيّش ممّا يتقاضاه على الكتابة واستنساخ الكتب.

وتوفّي قدس سره بدار السلطنة أصفهان في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة بعد الألف من الهجرة كما وقع التصريح به في لوح مزاره المنيف.
أمّا محلّ دفنه فهو في مقبرة تخت فولاد في أصفهان، وإلى جانبه قبر ملا محمّد فاضل المعروف بالفاضل النائيني، ولهذا السبب اشتهرت هذه المقبرة على ألسنة الناس بمقبرة الفاضلين.

وكان له تآليف كثيرة منها كتابه: "كشف اللثام عن قواعد الأحكام" الّذي هو شرح لكتاب قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي، والّذي شرح فيه وصيّة العلّامة لولده فخر المحقّقين الّتي ختم بها كتابه القواعد"5.

*الى ولدي , سلسلة من وصايا العلماء, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1-أي: دأبه.
2-كذا، ولعلّها: جفاة.
3-الفاضل الهندي، الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني: كشف اللثام عن قواعد الأحكام، ج 11، ص 524- 543، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1424هـ، إيران- قم.
4-أنظر: حياة العلّامة الحلّي للشيخ محمّد الحسّون، في مقدّمة كتاب إيضاح الاشتباه للعلّامة الحلّي، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1411هـ، إيران- قم، وما في المتن أخذناه من المصدر المذكور بتلخيص وتصرّف.
5-أنظر: حياة الفاضل الهندي، لرسول جعفريان، في مقدّمة كشف اللثام عن قواعد الأحكام، ج 1، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1424هـ، إيران- قم، وما في المتن أخذناه من المصدر المذكور بتصرّف وتلخيص.

2013-01-08