يتم التحميل...

ذكر الموت ‏وأثره الأخلاقي

العلاقة مع النفس

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه وكثرة ذكر الموت وأحذّركم الدنيا..." أ- مع الوصية: يوصينا مولى المتقين علي عليه السلام بتقوى اللَّه التي تعني وسام الكرامة وشعار العزة. ويحثّنا على الإكثار من ذكر الموت باعتباره عنصراً هاماً في عملية بناء النفس وتهذيبها وسيرها في طريق الكمال.

عدد الزوار: 158

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه وكثرة ذكر الموت وأحذّركم الدنيا..."1.

أ- مع الوصية

يوصينا مولى المتقين علي عليه السلام بتقوى اللَّه التي تعني وسام الكرامة وشعار العزة كما في قوله سبحانه:﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ(الحجرات:13).

ويحثّنا على الإكثار من ذكر الموت باعتباره عنصراً هاماً في عملية بناء النفس وتهذيبها وسيرها في طريق الكمال وسوف نتعرف معاً على النتائج التي بالإمكان أن نحصل عليها من خلال تذكر الموت دائماً الذي يعني الالتفات إلى متطلبات هذه الرحلة المنتظرة وإلى تلك الساحة التي تعرض فيها أعمال الناس بين يدي الخالق تعالى، فيساهم ذلك في أن يكون الإنسان جاهزاً وحاضراً ومستعداً أتمّ الاستعداد لتلبية النداء بالرجوع إلى اللَّه حيث يقول عزَّ وجلّ‏َ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي(الفجر:27-30).

وتبرز أهمية تذكر الموت بل الإكثار منه في كمٍ كبير من روايات ووصايا المعصومين عليهم السلام بالاتفاق على هدف واحد وهو اعتباره عاملاً مساعداً على بناء الذات الإنسانية الإيمانية بناء سليماً ملؤه الشعور الدائم بالرقابة الإلهية والإعداد لساعة اللقاء المرتقب يوم القيامة.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذّات فقيل: يا رسول اللَّه فما هادم اللذّات؟ قال: الموت، فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت وأشدّهم له استعداداً"2.

ب- أفضل العبادة ذكر الموت‏

ربما يبتعد الإنسان عن كثير من الحقائق جراء غشاوة المادة أو سيطرة الشهوة أو تزيين الدنيا، ومن تلك الحقائق الواقعية التي لا مفرّ منها ولا مهرب لكن الإنسان يغفل عنها في كثير من الأحيان وينام نومة طويلة، حقيقة ضعفه وعجزه وزواله فتراه يعمل على عمران دنياه وتخريب آخرته ويقترف من الذنوب أو يتعدى على حقوق الآخرين كما لو أنه خالد في هذه الدنيا الفانية وأنه لن يموت أو يسأل ولن يطالب ويحاسب ويعاقب ويعبّر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الصنف قائلاً: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"3.

وفي مقابل هذه الفئة من الناس فئة أخرى لم تسلم القياد إلى الغفلة والنسيان، بل قادها الإنتباه واليقظة إلى العمل الدؤوب طلباً لرضى الخالق تعالى وسعياً إلى خاتمة طيبة، فعاشت مستحضرة حقيقة العبودية الداعية إلى دوام الانابة والعبادة، فأكثرت ذكر الموت والرحيل والقبر والنشور وأن هذه الدنيا الغرور ليست نهاية كل شي‏ء بل مزرعة يبذر فيها ثم بعد ذلك يكون العطاء في ساحة البقاء الأبدي.

ويتضح دور الاكثار من ذكر الموت في هذه العملية المشيّدة لصرح التقوى والمعبّدة لطريق الصلاح والخلاص في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكر ذكر الموت، فمن أثقله الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة"4.

ج- ذكر الموت وأداء الحقوق‏

إن من الطبيعي لأي واحد منا قرّر السفر من بلدٍ إلى آخر أن يبادر إلى تجهيز مستلزمات رحلته وحزم أمتعته واعداد حقائب سفره وكذلك ايكال المهمات المرتبطة به في البلد الذي سيغادره إلى أشخاص يثق بهم، وأداء الأمانات إلى أهلها والقيام بسائر الشؤون التي ينبغي أداؤها وانجازها في وطنه قبل رحيله إلى وطن آخر وكلما اقترب موعد رحلة الطائرة التي سيغادر على متنها كان أكثر اهتماماً باستعداداته وجهوزيته.

والخلاصة أن الإنسان حريص على القيام بما يلزم لهذا السفر من مكان إلى آخر في هذه الدنيا الفانية.
فلماذا لا يكون حريصاً على تأمين لوازم سفره من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة من دار الفناء إلى دار البقاء؟!
إن السبب هو الغفلة عن السفر نفسه أي عدم الانتباه إلى الموت ومن يغفل عنه كيف يتذكر ما يستوجبه ويتطلبه منه؟! وها هو أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب قائلاً: "وكيف غفلتكم عما ليس يغفلكم"5؟!

ومن هنا نعرف أن تذكر الموت باعث على تهيئة النفس واستعدادها له من خلال أداء الحقوق العامة والخاصة وما يرتبط بالشخص نفسه أو بغيره وسواء كانت الحقوق مادية أو معنوية.

فمن الطبيعي أن يسارع إلى قضاء ما فات من الصلوات ويقضي ديونه المالية، ويرجع الحقوق إلى ذويها، ويكفّ عن ظلم الآخرين ويعاشرهم بمعروف وإحسان ويتزوّد لآخرته بزاد التقوى.

جاء في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: "وإنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، ولا بد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك، يا بني أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه، وتفضي بعد الموت إليه حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك ولا يأتيك بغتة فيبهرك"6.

د- نتائج ذكر الموت‏

1- النجاة من خداع الدنيا:


قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من أكثر ذكر الموت نجا من خداع الدنيا"7.

2- الرضا بالكفاف:


في الحديث: "من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا بالكفاف"8.

3- تهوين المصائب:


عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي اللَّه عزَّ وجلّ‏َ تهوّن عليكم المصائب"9.

4- محبّة اللَّه:


عن الصادق عليه السلام: "من أكثر ذكر الموت أحبه اللَّه"10.

5- الحشر مع الشهداء:


"قيل: يا رسول اللَّه هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم :نعم من يذكر الموت بين اليوم والليلة عشرين مرة"11

6- أكيس الناس:

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أتدرون من أكيسكم؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه قال صلى الله عليه وآله وسلم : أكثركم للموت ذاكراً، وأحسنكم استعداداً له، فقالوا: وما علامته يا رسول اللَّه؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود والتزوّد لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور"12.

7- يميت الشهوات ويقوّي القلب:

يقول الصادق عليه السلام: "ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة، ويقوّي القلب بمواعد اللَّه ويرقّ الطبع ويكسر أعلام الهوى..."13.

8- الزهد في الدنيا:


في الحديث: "اكثروا ذكر الموت فإنه ما أكثر ذكر الموت إنسان إلا زهد في الدنيا"14.

9- يكون قبره روضة من رياض الجنة:


في الحديث: "فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة"15.

10- المسارعة في الخيرات:


عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات"16.


المؤمن والكافر عند الموت‏

في الحديث أنّ إبراهيم عليه السلام لقي مَلَكاً، فقال له:

مَن أَنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال: تستطيع أن تريني الصّورة التي تقبضُ بها روح المؤمن؟ قال: نعم، أعرض عني، فأعرض عنه، فإذا هو شا، حسَن الصورة، حسَن الثياب، حسَن الشمائل، طيّب الرائحة، فقال: يا ملك الموت لو لم يلقَ المؤمن إلاّ حسن صورتك لكان حسبُه، ثم قال: هل تستطيع أن تريني الصّورة التي تقبضُ بها روح الفاجر؟ فقال: لا تطيق، فقال: بلى، قال: فأعرض عني، فأعرض عنه، ثم التفت إليه، فإذا هو رجل أسود، قاتم الشعر، منتن الرائحة، أسود الثياب، يخرج من فيه ومن مناخره النيران والدخان. فغُشي على إبراهيم، ثم أَفاق، وقد عاد ملك الموت إلى حالته الأولى، فقال له: يا ملك الموت لو لم يلقَ الفاجر إلا صورتك هذه لكفته17.


*من وصايا العترة عليهم السلام ، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، ربيع اول1424هـ ، ص7-16.


1- بحار الأنوار، ج‏88، ص‏99. الحذر: الاحتراز والاحتراس، والأزر: الظهر. ويبهرك: يغلبك على أمرك.
2- بحار الأنوار، ج‏82، ص‏167.
3- بحار الأنوار، ج‏50، ص‏134.
4- جامع الأخبار، ص‏165.
5- ميزان الحكمة، ج‏4، ص‏3539.
6- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص‏400.
7- غرر الحكم، حديث: 845.
8- م.ن، حديث: 999.
9- البحار، ج‏6، ص‏132.
10- الوسائل، ج‏2، ص‏434.
11- المستدرك، ج‏2، ص‏104.
12- ارشاد القلوب، ص‏58، باب 12.
13- البحار، ج‏6، ص‏133.
14- م.ن. ج‏82، ص‏168.
15- ميزان الحكمة، حديث 19141.
16- البحار، ج‏77، ص‏173.
17- قصص الأنبياء، ص‏146.
2009-08-14